Header Ads

من التصعيد إلى الحوار: أي مستقبل للعلاقات المغربية-الجزائرية بعد التحولات الأخيرة؟ ]]>

 من التصعيد إلى الحوار: أي مستقبل للعلاقات المغربية-الجزائرية بعد التحولات الأخيرة؟


العثماني العاقل: دكتوراه في السياسات العمومية

وخبير في التنمية البشرية


دخل ملف الصحراء المغربية محطة حاسمة بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، على قرار دعم مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بعد خمسة عقود من هذا النزاع المفتعل، حيث يكتسب هذا التصويت رمزية خاصة، إذ جاء قبل ستة أيام فقط من الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، التي شكلت بدورها حدثا إقليميا ودوليا غير مسبوق، مؤكدا المكانة التاريخية والسياسية لهذه القضية على الصعيدين الوطني والدولي.

وفي خضم هذه التحولات المتسارعة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، تبرز مجموعة من الأسئلة والفرضيات حول مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية، التي اتسمت خلال السنوات الأخيرة بالتصعيد تارة والصمت المطبق تارة أخرى، حيث تشكل هذه اللحظة التاريخية فرصة للبلدين من أجل التطلع الى علاقات ثنائية متينة.

1- واقع العلاقات المغربية-الجزائرية في ضوء قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية

تميزت العلاقات المغربية الجزائرية خلال العقد الأخير بالتوتر والتصعيد غير المبرر وصل حد قطع العلاقات الدبلوماسية وحركة الطيران بين البلدين، وتبادل الاتهامات حول مجموعة من الملفات الشائكة، لا سيما في ظل حصول مشروع الحكم الذاتي المغربي على تأييد دولي واسع، ومعاكسة هذا التوجه من قبل الدبلوماسية الجزائرية، حيث لا تفوت فرصة او حدث الا وجعلت من قضية الصحراء المغربية موضوعا لعلاقتها الدبلوماسية مع بلدان أخرى.

في المقابل، واصلت الدبلوماسية المغربية نهجها القائم على الهدوء والثبات ومد يد الحوار، وهو ما شكل العنوان الأبرز لتحركاتها الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة، حيث مكن هذا النهج المتزن مشروع الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية من اكتساب زخم متزايد ودعم واسع على المستويين الإقليمي والدولي.

وقد شهدت قضية الصحراء المغربية خلال الأشهر الأخيرة تطورات متسارعة وغير مسبوقة، لم يعرفها هذا الملف المفتعل منذ ما يزيد عن خمسة عقود، وذلك في سياق حركية دبلوماسية نشطة ورهانات دولية متصاعدة لإيجاد تسوية نهائية عادلة وواقعية لهذا النزاع الذي طال أمده، اذ أضحت الظروف الإقليمية والدولية اليوم مواتية أكثر من أي وقت مضى لإيجاد حل جاد وواقعي، خصوصا في ظل مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007، والذي يحظى بتأييد القوى الكبرى والدول الصديقة والشقيقة، باعتباره الإطار العملي الكفيل بإنهاء هذا النزاع المفتعل بشكل نهائي.

وفي هذا السياق، بدا ممثل الجزائر بمجلس الأمن الدولي في موقف صعب لحظات قبل التصويت على مشروع القرار رقم 2797 المتعلق بالصحراء الغربية، حيث قرر الانسحاب من جلسة التصويت في خطوة اعتبرها الكثيرون غير مفهومة، خصوصا وأن الجزائر ظلت تناور لربح المزيد من الوقت وتأخير التصويت على مشروع القرار اطلعت عليه، لكونها عضو غير دائم بمجلس الامن.

بالمقابل، اختارت كل من الصين وروسيا الامتناع عن التصويت على مشروع القرار، دون اللجوء إلى استعمال حق النقض (الفيتو)، وهو موقف يمكن اعتباره رسالة دبلوماسية ذات دلالة واضحة تجاه المغرب، باعتباره شريكا استراتيجيا موثوقا يحظى بتقدير متزايد على الساحة الدولية. وفي المقابل، يمكن قراءة هذا الموقف أيضا كتعبير عن تراجع ناعم أو انسحاب محسوب من طرف القوتين عن الدعم التقليدي الذي كانت تحظى به الجزائر في هذا الملف، بما يعكس تغيرا ملحوظا في موازين المواقف داخل مجلس الأمن تجاه قضية الصحراء المغربية.

أما بالنسبة إلى  دولة باكستان، التي امتنعت بدورها عن التصويت، فقد تبنت موقفا أقرب إلى الحياد الإيجابي الحذر، في محاولة للموازنة بين علاقاتها المتميزة مع كل من المغرب والجزائر، حيث أكد ممثلها خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن، على أهمية التوصل إلى حل سياسي توافقي يُرضي جميع الأطراف، ويضمن في الوقت ذاته الاستقرار والتنمية في المنطقة، وهي مواقف عبر عنها المغرب في مجموعة من المناسبات.

2- تحليل قرار مجلس الأمن الدولي وآفاق تطور العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر

وأمام هذه التحولات المتسارعة، وفي ظل الرغبة الجدية للمجتمع الدولي في طي هذا النزاع المفتعل، برزت قراءات متعددة لموقف انسحاب ممثل الجزائر من جلسة التصويت بمجلس الأمن. فمن جهة، اعتبر هذا الانسحاب رسالة موجهة إلى القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، مفادها استعداد الجزائر للانخراط في مفاوضات مباشرة من أجل التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، خاصة في ظل احتضانها لجبهة البوليساريو وسعيها لإنهاء الملف بأقل الخسائر الممكنة. ومن جهة أخرى، يمكن اعتبار الخطوة لم تخل من رمزية سياسية تهدف إلى تأكيد تمسك الجزائر بمواقفها التقليدية، وأن الانسحاب كان نتيجة إدراك مسبق لممثلها بأن غالبية أعضاء المجلس يتجهون للتصويت لصالح القرار الداعم لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

ويبقى السؤال المطروح بإلحاح، هل ستعيد الجزائر مراجعة حساباتها بعد ما يقارب خمسة عقود من تبني أطروحة الانفصال عن المغرب، وتسخيرها لإمكانات مالية ودبلوماسية هائلة دون تحقيق أي نتائج ملموسة؟ بل إن هذا النهج لم يسهم سوى في تعميق عزلتها الإقليمية والدولية، في وقت بات فيه المجتمع الدولي أكثر اقتناعا بجدية وواقعية المقترح المغربي القائم على الحكم الذاتي كحل نهائي للنزاع.

كما أن الخطاب الرسمي المغربي لا ينظر إلى التصويت لصالح مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بوصفه انتصارا على الجزائر، بل يعتبره فرصة واعدة لفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، تقوم على التعاون والتفاهم بدل التوتر والقطيعة، فالمغرب يرى في هذا التطور محطة لبناء علاقات قوية ومنسجمة بين البلدين الشقيقين، لاسيما في ظل التحديات المشتركة التي تواجههما، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، والتغيرات المناخية، واستكمال مسار بناء الاتحاد المغاربي الذي يشكل فضاء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واعدا لشعوب المنطقة.

إن مجمل التحديات والطموحات التي تميز مرحلة ما بعد صدور القرار رقم 2729 حول الصحراء المغربية، تفرض تفاعلا مسؤولا ورؤية واقعية لاستشراف مستقبل العلاقات المغاربية على أسس من التعاون والتكامل. فبناء فضاء مغاربي متكامل لم يعد خيارا ظرفيا، بل ضرورة استراتيجية تستوجب استثمار الفرص الواعدة والإمكانات الهائلة التي تزخر بها دول المنطقة، بما يعود بالنفع على شعوبها ويسهم في نهضتها وتقدمها وازدهارها. ومن شأن ذلك أن يجعل من الاتحاد المغاربي قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في صياغة السياسات الإقليمية والدولية على حد سواء.

كما أن الجزائر أصبحت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مدعوة إلى إبداء حسن النية والانخراط في مسار حوارٍ صادقٍ وبناء، على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، من أجل الطي النهائي لهذا الملف المفتعل وفتح آفاق جديدة للتعاون والتكامل بين شعوب المنطقة، بما يخدم الأمن والاستقرار والتنمية المشتركة.

خاتمة:

لا شك أن مستقبل العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر يظل رهينا بنتائج الحوار والمفاوضات المباشرة بين البلدين، بشأن عدد من القضايا العالقة التي ما زالت تلقي بظلالها على مسار العلاقات بين الجارتين، حيث يحتاج هذا المسار الى إرادة الانفتاح والتفاهم المتبادل، باعتبار هذه العناصر تمثل شرطا أساسيا لتجاوز الخلافات القديمة وبناء شراكة مغاربية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

 

]]>

ليست هناك تعليقات