هل تستفيد الجزائر من حسم قضية الصحراء المغربية لصالح المغرب؟ ]]>
هل
تستفيد الجزائر من منعرج
حسم قضية الصحراء المغربية؟
العثماني العاقل: دكتوراه في السياسات العمومية
خبير في مجال التنمية البشرية
البريد الاليكتروني: otmani.akel@gmail.com
قبل
ساعات من تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الجديد المتعلق بتمديد ولاية
بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، تتجه الأنظار إلى مضامين القرار، ولا
سيما ما يتصل بخطة الحكم الذاتي التي باتت تشكل حجر الزاوية في المقاربة الأممية
للحل السياسي، حيث تتصاعد التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المغربية-الجزائرية، خصوصا
في ظل تنامي رغبة المجتمع الدولي في طي هذا الملف المفتعل بشكل نهائي، مقابل مساعي
النظام الجزائري المحمومة للتحرك في الكواليس في اللحظات الأخيرة، أملا في التنصل
من تبعات أخطائه السابقة وإعادة تموضعه في المشهد الإقليمي.
وبالعودة
إلى أسباب ومقومات قوة الموقف المغربي، والعوامل التي دفعت المجتمع الدولي إلى
الانتقال إلى السرعة القصوى لحسم هذا النزاع المفتعل الذي عمر لأزيد من نصف قرن،
تبرز سنة 2007 كنقطة تحول حاسمة في مسار هذا الملف. ففي تلك السنة، أعلن جلالة
الملك محمد السادس عن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل واقعي وذي
مصداقية، يستند إلى مقاربة شاملة تجمع بين الشرعية التاريخية والسياسية، والرؤية
التنموية الميدانية الهادئة، بما يكرس روح التوافق ويعكس إرادة المغرب الصادقة في
تحقيق تسوية نهائية تقوم على أسس الحوار والمسؤولية المشتركة.
وفي
هذا السياق، فمنذ اعتلائه العرش، حرص الملك محمد السادس على إطلاق مشاريع
استراتيجية كبرى تروم جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا للتنمية المتكاملة والمستدامة،
في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي يعد تجسيدا عمليا لمفهوم
الجهوية المتقدمة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإطلاق أوراش اقتصادية وبنيوية ضخمة،
مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، برنامج تقليص الفوارق المجالية
والاجتماعية، مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب الذي سيعزز التعاون جنوب–جنوب
ويكرس مكانة المملكة كجسر طاقي بين إفريقيا وأوروبا، إلى جانب مشاريع الموانئ
الكبرى وفي مقدمتها ميناء طنجة المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيشكل بوابة استراتيجية
نحو عمق القارة الإفريقية.
كما
أولت المملكة اهتماما خاصا بتمكين دول الساحل غير المطلة على البحر من الولوج إلى
المحيط الأطلسي، عبر تطوير شبكات الطرق والبنى التحتية اللوجستية التي تربطها
بالمغرب، في تجسيد ملموس لروح التضامن الإفريقي وسياسة الانفتاح والتعاون التي
يقودها جلالته، لا سيما بعد تأمين معبر الكركرات بشكل نهائي.
وهكذا،
أصبحت الأقاليم الجنوبية اليوم عنوانا للنجاح التنموي والسياسي والدبلوماسي
للمغرب، ودليلا قاطعا على أن الوحدة الترابية للمملكة ليست فقط مسألة سيادة، بل
أيضا نموذج تنموي يحتذى به في القارة الإفريقية.
ان
هذه الدينامية والتحولات التي عرفتها الأقاليم الجنوبية من المملكة، دفعت المنتظم
الدولي الى تقديم إشارات قوية لحسم هذا الملف الشائك، الأمر الذي دفع الولايات
المتحدة الأمريكية بتقديم إشارات قوية كونها تستعد لدفع تسوية نهائية خلال فترة
محدودة( 60 يوما)، حيث لوحظ تغيير جذري في مواقف النظام الجزائري وجبهة
البوليساريو.
وفي
هذا السياق، وإذا كان المغرب قد حسم قضيته الأولى والعادلة، تتويجا لمسار طويل من
المحطات التاريخية والخيارات الاستراتيجية الرصينة، فإنه يواصل اليوم ترسيخ هذا
المكسب الوطني من خلال سياسة الأوراش الكبرى والمشاريع المهيكلة التي تجسد مضامين
النموذج التنموي الجديد، الهادف أساسا إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية
وتحقيق تنمية مندمجة ومستدامة في مختلف ربوع المملكة.
وفي
المقابل، تبدو الجزائر أمام فرصة حقيقية وتاريخية للاستفادة من حل هذا النزاع
الإقليمي، خصوصا إذا ما أعادت توجيه الإمكانات المالية الهائلة التي تهدرها في دعم
ميليشيات البوليساريو، حيث تشير التقديرات إلى أن النظام الجزائري ينفق أكثر من
مليار دولار سنويا على هذه الجبهة، من دون أن يكون لهذا الإنفاق الضخم أي أثر
ملموس على النموذج التنموي الجزائري، بل إن هذا النموذج ذاته لا يزال غائبا أو غير
محدد المعالم في السياق الراهن.
إن
حل قضية الصحراء بشكل نهائي لا يعد فقط مكسبا للمغرب واستقرار المنطقة، بل أيضا
فرصة اقتصادية وتنموية ثمينة للجزائر ولعموم دول المغرب الكبير، لفتح صفحة جديدة
قوامها التكامل بدل التنافر، والتنمية المشتركة بدل الصراع المستنزف للموارد.
وفي
هذا الاطار، وباعتبار أن الجزائر تنفق ما يناهز مليار دولار سنويا على دعم جبهة
البوليساريو، فإنها تكون قد خسرت خلال ما يقارب خمسة عقود من الزمن، زهاء خمسين
مليار دولار، وهو مبلغ ضخم كان بالإمكان توجيهه نحو مشاريع تنموية وهيكلية تعود
بالنفع المباشر على المواطن الجزائري، واحداث نقلة نوعية في مجالات البنية
التحتية، من خلال تطوير شبكات النقل، وتحسين الخدمات العمومية، وخلق فرص شغل
مستدامة للشباب، فضلا عن النهوض بالقطاعين الصحي والتعليمي، وتعزيز تنافسية
الاقتصاد الوطني.
إنها
خسارة مزدوجة: خسارة مالية واقتصادية من جهة، وضياع لفرص التنمية والاستقرار
الإقليمي من جهة أخرى، وهو ما يجعل من تسوية قضية الصحراء المغربية مدخلا حتميا
لتحقيق التنمية المشتركة وبناء مستقبل مغاربي متكامل.
وهكذا،
كان بإمكان الجزائر — لو أحسنت توجيه مواردها بدل استنزافها في نزاع الصحراء
المغربية، أن تُحدث ثورة تنموية حقيقية باستثمار ما يعادل 50 مليار
دولار في مشاريع هيكلية تعود بالنفع المباشر على اقتصادها ومواطنيها، وفق توزيع
متوازن يشمل مختلف القطاعات الحيوية، لا سيما وأن الجزائر ما تزال تردد أسطونتها
التقليدية والتمتمثلة في كونها ليست طرفا في النزاع، بين الواقع يجسد كون الجزائر
هي الطرف الأساسي في النزاع.
وهكذا،
يمكن القول ان 50 مليار التي انفقت على الانفصالين وعن الذين استقدموا من مناطق أخرى
والزج بهم في صراع مفتعل، كان بالإمكان استثمارها وفق الأولويات التالية:
· 18 مليار
دولار لتطوير البنية التحتية وتعزيز شبكة الطرق والطرق السريعة، وربط الشرق بالغرب
والشمال بالجنوب عبر خطوط للقطار الفائق السرعة، بما يسهم في تسهيل التنقل وتحفيز
التبادل التجاري بين مختلف مناطق البلاد، خصوصا وان الجزائر دولة كبيرة مساحتا
ولكنها لا تحقق الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية والقطاعات الاقتصادية
التقليدية مثل السياحة والتجارة والصناعة، تعتبر قطاعات ميتة.
· 10 مليارات
دولار لقطاع الطاقة والمياه، في ظل ما تعرفه الجزائر من أزمة جفاف متفاقمة وحاجة
ملحة لتوفير الماء الصالح للشرب وتوسيع شبكات السقي، فرغم أن الجزائر تُعد ثاني
أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، فإن إنتاجها الفلاحي يظل محدودا مقارنة
بمؤهلاتها الطبيعية والجغرافية، ما يجعل من الإصلاح الزراعي أولوية وطنية يمكن أن
يحدث تحولا كبيرا في أمنها الغذائي.
· 7 مليارات
دولار لدعم التعليم العالي والبحث العلمي، عبر بناء 20 جامعة ومراكز بحث متخصصة في
الطب والهندسة والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية، بما يعزز الابتكار وتكوين نخبا
قادرة على قيادة التحول الاقتصادي والمعرفي.
13 مليار
دولار لتطوير قطاع الإسكان وتعزيز التنمية المجالية، من خلال بلورة نموذج تنموي
متوازن يستجيب لتطلعات المواطنين والمواطنات، ويراعي العدالة الاجتماعية
والمجالية.
· 8 مليارات
دولار للنهوض بقطاعات الصحة والدواء والاقتصاد الرقمي، وهي مجالات ما تزال الجزائر
تُعاني فيها من خصاص بنيوي واضح، وتحتاج إلى استثمارات نوعية لتحسين الخدمات
الأساسية وتحقيق التحول الرقمي المنشود.
إن
قضية الصحراء المغربية مقبلة على نقطة تحول مفصلية في مسار هذا النزاع المفتعل،
وهي مرحلة تتطلب من دول المنطقة المغاربية أن تدرك عمق التغيرات الجيوسياسية
الراهنة، وأن تغتنم هذه الفرصة التاريخية لطي صفحة الخلافات وبناء مستقبل قائم على
التعاون والتكامل الإقليمي واحترام سيادة الدول والابتعاد عن افتعال أزمات
وتمويلها لإطالة امد الصراعات واهدار الزمن التنموي.
كما
يواصل المغرب بثبات مساعيه الرامية إلى استكمال وحدته الترابية واسترجاع كامل
أراضيه غير منقوصة، سواء تعلق الأمر بالمنطقة العازلة في الجنوب أو بالصحراء
الشرقية، باعتبارهما محطتين أساسيتين في مسار ترسيخ السيادة الوطنية وتعزيز وحدة
التراب المغربي من أقصاه إلى أقصاه.

التعليقات على الموضوع