قراءة تحليلية في تدوينة بنكيران بخصوص المطالبة باستقالة الوزير وهبي
قراءة تحليلية في تدوينة بنكيران بخصوص المطالبة باستقالة الوزير وهبي.
أثارت تدوينة
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران على منصة التواصل الاجتماعي
فيس بوك، جدلا سياسيا واسعا في المغرب، بعد اتهامه الصريح لوزير العدل عبد اللطيف
وهبي بـ"الغش في وثيقة رسمية" بغرض التهرب الضريبي، وطالب ضمن التدوينة
باستقالته، استنادا إلى خرق الوزير المعني لمقتضيات الدستور، وخصوصا الفصلين 39
و40، وكذلك المدونة العامة للضرائب، حيث يعكس هذا المطلب تداخلا بين الخطاب
السياسي والمساءلة القانونية، ويفتح الباب لنقاش أعمق حول مدى نجاعة آليات ربط
المسؤولية بالمحاسبة في ظل دستور 2011.
أولا: تحليل مضمون التدوينة وسياقها السياسي
التدوينة
تتضمن اتهاما واضحا لوزير العدل بتقديم "تصريح مغلوط" لإدارة الضرائب،
مما يوحي بنية التهرب من أداء واجب ضريبي يتعلق بعقار تطبيقا لأحكام القانون
الجاري بها العمل، ويُصنَّف هذا النوع من الأفعال ضمن المخالفات الجسيمة إذا ما
ثبتت صحته، خاصة عندما تصدر من مسؤول في موقع حساس كوزارة العدل.
كما تأتي التدوينة في سياق سياسي
مشحون، تميز بتراجع موقع حزب العدالة والتنمية في الخارطة السياسية بعد انتخابات
2021، مقابل صعود حزب الأصالة والمعاصرة، الذي ينتمي إليه الوزير المعني، اذ يمكن
أن تكون في هذه الدعوة نوع من الضغط السياسي الرامي إلى إعادة توجيه الرأي العام
نحو قضايا "الفساد والمساءلة" التي طالما تبناها الحزب خلال سنوات
قيادته للحكومة.
ثانيا: البُعد الدستوري والقانوني للاتهامات
أشار عبد الإله بنكيران ضمن التدوينة ذاتها إلى
الفصلين 39 و40 من الدستور المغربي، حيث ينص الفصل 39 على أن "على الجميع أن
يتحمل، كل بقدر استطاعته، التكاليف العمومية"، وهو أساس لمبدأ العدالة
الضريبية، بينما ينص الفصل 40 على ضرورة "التضامن الذي يتحمل بموجبه الجميع،
بصفة تضامنية وتناسبية، التكاليف الناتجة عن الأعباء"، ما يعزز فكرة تقاسم
المسؤوليات.
في حالة صحة الادعاءات، فإن الفعل
الموصوف يُعد خرقا للمبدأين، ويشكل تهربا ضريبيا يعاقب عليه القانون، كما أن
مسؤولية الوزير السياسية تفرض استقالته، حتى قبل ثبوت الإدانة الجنائية، التزاما
بمبدأ "الاستقالة السياسية عند تعارض المصالح أو المس بالمصلحة
العامة".
ثالثا: حدود التدوينة في ظل غياب أدلة قضائية
رغم ما تحمله
التدوينة من اتهامات، إلا أنها تظل تصريحات سياسية في غياب بلاغ رسمي من الجهات
القضائية أو تقارير تفتيشية من مصالح الضرائب التي يفترض أنها بادرت الى اجراء
مراجعة مفصلة بناء على الاخبار المعطيات التي تم تداولها عبر وسائل الاعلام، وهنا
يبرز إشكال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للاتهام
السياسي، وما يترتب عنه من تسييس لملف قد يكون في الأصل قضائيا.
إن المطالبة
بالاستقالة يجب أن تستند إلى تقارير رسمية أو تحقيق قضائي يثبت الوقائع بما لا يدع
مجال للشك، وإلا فإن مثل هذه المطالبات قد تُفهم كتوظيف سياسي للقانون دون
الالتزام بمسار العدالة، لا سيما وأن الوزير المعنى ظل خلال السنوات الأخيرة يتصدر
النقاش السياسي في المغرب، سواء خلال مرحلة استوزاره او خلال قضية امتحان ولوج
مهنة المحماة او في علاقته بالقضايا التي رفعها على الصحافي حميد المهداوي او حتى
خلال مرحلة التعديل الحكومي.
رابعا: مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة
يُعتبر مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أحد
المبادئ الجوهرية في دستور 2011، وركيزة في بناء دولة المؤسسات. وفي حالات
الاشتباه في خرق القانون من طرف مسؤول عمومي، يفترض أن يُفعل هذا المبدأ من خلال
مؤسسات الرقابة، وليس فقط من خلال التصريحات السياسية. ومع ذلك، فإن وجود شبهة
قوية ومثبتة قد يُحتِّم الاستقالة كفعل أخلاقي، وليس فقط كإجراء قانوني،
حفاظا على نزاهة المرفق العام.
خامسا: أبعاد مطلب الاستقالة بين
الأخلاق السياسية والمسؤولية القانونية
تكتسب المطالبة
بالاستقالة في هذا السياق بُعدا مزدوجا:
1.
أخلاقي/سياسي: باعتبار
أن وزير العدل يشغل حقيبة وزارية لها
رمزيتها في الهندسة الحكومية، رغم عدم تبعية النيابة العامة لها.
2.
قانوني/مؤسساتي: حيث
يجب على المؤسسات المختصة، مثل رئاسة الحكومة ومجلس النواب وهيئات الرقابة، أن
تتحرك لتحديد المسؤولية وتفعيل المساءلة.
خاتمة
تكشف تدوينة
الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن أزمة ثقة متزايدة بين الرأي العام والنخب
السياسية، وتسلط الضوء على التحدي الكبير الذي يواجهه المغرب في ترسيخ مبدأ ربط
المسؤولية بالمحاسبة. غير أن معالجة هذه الإشكاليات لا يمكن أن تتم فقط عبر
التدوينات أو التصريحات، بل من خلال تمتين مؤسسات الرقابة، وتعزيز استقلالية
القضاء، وإعادة الاعتبار للأخلاق السياسية. وفي كل الأحوال، يظل مطلب الاستقالة،
إن ثبتت الادعاءات، انسجاما مع منطق دولة القانون.
التعليقات على الموضوع