Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الثاني

الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق  تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الثاني- بنمــوسى خـــالد باحث في سلك الدكتوراه مما...



الجهوية المتقدمة بين الاكراهات المالية وآفاق
 تمويل وظيفتها التنموية –الجزء الثاني-

بنمــوسى خـــالد
باحث في سلك الدكتوراه
مما لاشك فيه أن دور وتوجه الجهة بالمغرب أضحى في الآونة الأخيرة أكثر وضوحا من ذي قبل ، وذلك لبروز قضايا كبرى ذات بعد جهوي على الساحة السياسية المغربية، تتقدمها قضية الصحراء المغربية ومسألة الوحدة الترابية المغربية، لا تفوتها من الأهمية قضايا تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني والإشكالات المترتبة عنها، والمتمثلة في التفاوتات الاقتصادية بين الجهات التي تنعكس سلبيا على التنمية الشاملة للبلاد.

وعليه فان المغرب وان كان اعتمد الجهوية مند فترة طويلة، فان اليوم أصبح مدعوا إلى اعتماد الجهوية المتقدمة بمقاربة جديدة تستطيع معها تحقيق الأهداف المتوخاة منها،وهذا الأمر يتطلب بالدرجة الأولى إعادة النظر في توزيع الموارد المالية بين الدولة والجهة ، عبر منظور شمولي يأخذ بعين الاعتبار إشكالية توزيع الأدوار والوظائف والاختصاصات بينهما، وذلك بغية تحقيق استقلال مالي جهوي، الذي يعتبر حجر الزاوية في اللامركزية. وتعتبر الأداة التمويلية من بين أهم الوسائل التدخلية التي تتوفر عليها الهيئات المحلية لانجاز المشاريع الخاصة ولتشجيع بعض القطاعات المهمة التي تعتبر أساسية بالنهوض بالتنمية المحلية والجهوية، فكل الوحدات الترابية تحتاج إلى موارد مالية مهمة من أجل انجاز مخططاتها التنموية، لاسيما بعد ما أسند لها المشرع في إطار التعديل الدستوري لسنة 2011، اختصاصات ووظائف جديدة سواء منها الذاتية أو التحويلية، وانسجاما مع هذا الدستور الجديد ومع ما كرسه بدسترة الجهات والجماعات الترابية الأخرى، واعتبارا للمكانة التي بوأها للجهة كخيار استراتيجي وكورش مؤسساتي كبير، بات من الضروري تمكين الجماعة الجهوية من موارد مالية تتناسب وحجم الرهان المعقود عليها لتحقيق التنمية الجهوية المندمجة.
انطلاقا من هده المعادلة المنطقية، يبدو أن تعميق الاختيار الامركزي الذي دشنه التنظيم الترابي الجديد قد أسس له المشرع الدستوري من خلال التنصيص على أولوية إحداث صناديق لتفعيل مشروع الجهوية المتقدمة.ومن ثم، يعد إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي وصندوق للتضامن الجهوي طفرة كبيرة في النموذج المقترح، ففي سياق المجهود الجبار من أجل التنمية الاجتماعية والبشرية الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس والذي تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إحدى معالمه البارزة ، تلتزم الدولة بإحداث وإقامة صندوق للتأهيل الاجتماعي للجهات وتكريسه قانونا لمعالجة العجز الملحوظ في قطاعات حيوية من البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية ، وذلك على مدى اثني عشر سنة ، وبموازاة ذلك ، يحدث صندوق للتضامن الجهوي تساهم فيه كل جهة بقسط من مواردها الإضافية ، وأخيرا سترفع الدولة بشكل ملموس من الموارد المالية التي تخولها للجهات بقصد تقوية قدراتها على العمل والمبادرة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وبحكم الفوارق الكبيرة بين مختلف المجالات الجهوية يندرج التأهيل الاجتماعي باعتباره رافعة للتنمية البشرية صمن أحد الأهداف الأولوية الإستراتيجية وذلك بغرض القضاء على هذه الفوارق خصوصا في مجال البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية.
إن التوجه نحو إحداث صناديق للتأهيل الاجتماعي كان مرده وجود اختلالات مجاليه كبيرة بين الجهات ، فعلى مستوى قطاع الصحة بلغ المعدل الوطني 302.000 نسمة لكل مستشفى عام و 655.000 نسمة لكل مستشفى متخصص ، وبالتالي فهذا الوضع بعيد جدا عن المعايير الدولية التي اقترحتها منظمة الصحة العالمية ، ويلاحظ نفس التفاوت على مستوى الوسط القروي.
أما على مستوى قطاع التعليم ، فنجد بأن نظام التربية والتكوين بدوره يعاني من عدة اختلالات تتعلق بالهذر المدرسي ، والبنيات التحتية الأساسية ، فعلى المستوى الجهوي ، تبين المؤشرات أن بعض الجهات لا تزال كل البعد عن بلوغ النسبة الوطنية الصافية للتمدرس حيث لا تتجاوز مثلا بجهة تازة الحسيمة تاونات 13/100.
وارتباطا بالشبكة الطرقبة ومن خلال معطيات وزارة التجهيز والنقل فان أغلب الطرق غير معبدة في الوسط القروي الذي يواجه ليس فقط صعوبات تتعلق بالمحيط بل يعاني أيضا من أثار برامج التنمية الطرقية خلال السنين الماضية في هذا المجال.
أما على مستوى قطاع السكن فلا زال بدوره يواجه تحديات كبرى تستدعي بذل جهود متواصلة للتصدي لهذه الظاهرة ، لاسيما عدم توافق العرض مع الطلب المتزايد خصوصا في المدن الكبرى.
انطلاقا من كل ما مر معنا ولضمان تناسق مقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية مع مقتضيات المالية المحلية ، تبدو لنا الضرورة المستعجلة لإجراء إصلاح شامل يأخذ بعين أبعادا إصلاحية مندمجة ومنها :
1- تمكين الجهات من سلطة جبائية بغرض تمويل مشاريع و أوراش التنمية الجهوية بجميع مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية... خاصة فيما يتعلق بالضرائب المحلية والرسوم الشبه الضريبية.
2- إصلاح مالية الجماعات الترابية القاعدية بما يتناسب وينسجم مع طبيعة وخصوصيات الجهة والتي بوأ لها الدستور الجديد مكانة الصدارة في مجال التنمية البشرية المستدامة والمندمجة.
3- تبسيط قواعد المساطر الخاصة بميزانية مختلف الجماعات الترابية.
4- ضمان استفادة الجهات بشكل دائم بجزء من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة T.V.A ، ورصد هدا الجزء حصريا لبرامج استثمارية.
5- التفكير في ضرورة توسيع مجال تطبيق الضرائب المحلية والرسوم الشبه الضريبية لصالح الجهات ( الضريبة البيئية، المطارات...... )
6- تحسين عائدات الأملاك الجماعية (الممتلكات) عن طريق إحصاء وجرد شامل لكافة الأملاك الجماعية من اجل تحديد مكوناتها بغية تصفية اكبر عائد مكن هده الأملاك المحلية،وهدا يتطلب بالضرورة مراجعة المساطر الخاصة بالكراء أو تقييم الاستغلال قصد تحقيق القيمة الحقيقية للملك الجماعي.
7- يعد الاقتراض أمرا ضروريا بالنظر إلى الحاجيات الجديدة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تتطلب إمكانيات مادية تتجاوز ما يقدمه صندوق التجهيز الجماعي، لذلك نرى من الضروري فتح باب لإمكانية لجوء الجهات إلى السوق الداخلية للسندات والخارجية لاحقا.
ومن اجل تحقيق أفضل النتائج المتوخاة من الاقتراض ينبغي مطالبة الجهات ما يلي :
- تحقيق شفافية أكبر في التدبير المالي
- تعزيز استقلالها المالي
- تقوية القدرات المتعلقة بالبرمجة والإشراف على المشاريع وتصريف الكفاءات في المجال الهندسة المحلية .
8 –التأكيد على ضرورة تحويل التنمية على صعيد الجهة وذلك بتجاوز الصعوبات المالية باستعمال التقنيات الحديثة .
أما فيما يرتبط بتثمين الإمكانيات وتطويرها نرى فيما يتعلق بالشق المتعلق بالتحصيل أنه من شأن إحداث إطار للشراكة بين الجماعات الترابية والدولة الخاصة من خلال إسناد وتدبير الوعاء الضريبي إلى المديرية العامة للضرائب، وعملية التحصيل إلى الخزينة العامة للمملكة أن يشكل أداة فعالة لإطفاء مزيد من الموضوعية والعقلنة على هده العملية وينبغي أن يكون هذا التدبير من طرف الدولة لفائدة الجهات مقابل عادل ومنصف .
وارتباطا بإشكالية الوعاء الضريبي ورغبة في توسيع قاعدته نرى كذلك أنه من الأجدى تضريب مجموعة من القطاعات المعفاة أو التي تستفيد من الإجراءات الاستثنائية خاصة وأنها لا تصاحب بعمليات التتبع والتقييم لرصد مؤشرات النجاح والفشل وبالتالي تضيع على الدولة أموالا مهمة كانت لتكون في خزينتها، أما فيما يتعلق بالأملاك الجماعية باعتبارها تكتسي أهمية جوهرية بات من الضرورة تحديث إطارها القانوني حتى نتمكن من تطبيق نظام محاسبي دقيق بما من شانه أن يثمن ويحدد القيمة الحقيقية لهده الأملاك .
وبالرجوع إلى المرتكزات الجهوية المتقدمة نجد عنصر التضامن كآلية عقلانية لتحقيق التوازنات الترابية بين الجهات، أوصى المشرع الدستوري في هذا الصدد بأولوية إحداث صندوق للتضامن الترابي على غرار العديد من البلدان الرائدة في التجربة الجهوية مع الاستفادة من هذه التجارب مع أخذ بعين الاعتبار خصوصية الجهوية المتقدمة المغربية كما عبر عن ذلك جلالة الملك في خطبة المؤسسة لهدا الورش الكبير.
إن مشروع الجهوية المتقدمة يتطلب إرساء منظومة للتضامن عبر وضع آليات للموازنة يراد منها الرفع التدريجي لموارد الجهات الأكثر فقرا من متوسط التنمية السوسيو- اقتصادية، فمن الناحية العملية، و على سبيل المثال، يؤدي وضع معايير للنفقات المتعلقة بالخدمات الأساسية التي تقدمها الجماعات الترابية في حد ذاته إلى إختلالات بالنظر إلى كون تكلفة النفقات تختلف من جماعة محلية إلى أخرى، و خاصة بالنسبة للجماعات الواقعة في مناطق ذات تضاريس وعرة.
و لأجل تحقيق التضامن الترابي يمكننا الاستفادة من تجارب بعض البلدان من خلال السياسات العمومية التي نهجتها و تستند على تحويل جزء من موارد الدولة نحو المستويات الأدنى، ذلك أن اللجوء إلى التحويلات يعمل على تعزيز التضامن الترابي ، لأن وسائل التمويل التي تقوم أساسا على المداخيل الضريبية الذاتية قد نكون غير متكافئة عند وجود تفاوتات جهوية جد مهمة في الثروات.
إن انسجام الجهوية رهين أيضا بإصلاح نظام تحويل الموارد ، بيد أن وضع آلية لتحويل الميزانيات بين الإدارات يعد من أكتر المهام صعوبة في مجال المسألة العمومية.
ولمواكبة هاته الإصلاحات المؤسساتية لابد من بلورة آليات عصرية للحكامة قصد عقلنة و ترشيد الفعل العمومي الجهوي و الترابي، ذلك أن التعاقد الترابي من شأنه أن يشكل ضمانة للالتزامات المتبادلة بين جميع الفاعلين و الأطراف، و لإنجاح هدا المقتضى التعاقدي ينبغي تفادي تشتت الجهود و الوسائل، والنص بوضوح على أهداف محددة سلفا وفق مؤشرات رقمية، و قابلة للقياس و التقييم، ذلك أن عملية المتابعة ينبغي أن تسند لهيئة وطنية مستقلة لممارسة مهامها بكل حياد وموضوعية تتولى رفع تقرير سنوي قصد الكشف عم مكامن الخلل لعلاجها، وتعزيز مكان القوة و تطويرها.
بالإضافة إلى آلية التعاقد تساهم الشراكة بين القطاع العام و الخاص في تحديد استراتيجيات الجهوية للتنمية و كذا في إنشاء فضاء للتشاور بين ممثلي السلطات العمومية و المجتمع المدني و القطاع الخاص، و يمكن لهذه الشراكة أن تأخذ أشكالا عديدة منها منح تسهيلات للمقاولات و تطوير العرض العمومي في مجال الاستثمار، لهذا يبدو من الضروري تزويد كافة الجهات بهيئات للتشاور تعمل على تشخيص وضعية المجالات الترابية التابعة لها من أجل تحديد مؤهلات و المعيقات التي تؤسس للشراكة بين القطاع العام و الخاص على الصعيد الجهوي.
إن التدبير الحديث للوحدات الترابية، لا يتوقف فقط على مؤهلاتها الطبيعية والمالية وطاقاتها البشرية، بل يتطلب ذلك تحسين استغلال هذه الإمكانيات وتوظيفها وتوجيهها بشكل دقيق نحو الأهداف المرسومة لها، ولا يتأتى هذا إلا بوجود برنامج محكم يشخص حاجيات الجماعة ويحدد طريقة تلبيتها، ولن يحصل هذا إلا بوجود تدبير إستراتيجي يعمل على توفير تصور متجانس للسياسات المحلية لعمل على ترتيب المشاريع المبرمجة حسب أسبقيتها طبقا لنظرة شمولية مندمجة للتنمية.

ليست هناك تعليقات