Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

الدفاع الشرعي: بين النظري و التطبيق

  ال طبيعة القانونية للدفاع الشرعي: تعترف كافة التشريعات العقابية و تنص صراحة على أن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة و الأفعال ا...



  ال طبيعة القانونية للدفاع الشرعي:
تعترف كافة التشريعات العقابية و تنص صراحة على أن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة و الأفعال المبررة قانونا، و فكرة الدفاع الشرعي هو أن يقوم الإنسان بنفسه بدفع الاعتداء الذي يقع عليه، أو على غيره من الناس إذا كان الخطر يهدد حقا الحياة، أو حق سلامة الجسم، أو العرض، أو المال، و في الحالات التي لا يتسنى فيها دفع الاعتداء، عليه أن يلجأ إلى السلطات النظامية أو القضائية لحمايته.
و هذه الفكرة تمتد جذورها إلى القانون الطبيعي و الحقوق الطبيعية، فالإنسان و منذ فجر التاريخ كان يعتمد عي نفسه في رد الأذى عن نفسه و أسرته و شرفه و ماله، و ما اندماجه في المجتمعات السياسية المتحضرة إلا ليوفر على نفسه مشقة حماية نفسه بنفسه، فتنازل عن بعض حقوقه للسلطة السياسية في المجتمع لتقوم هذه الأخيرة بهذا الدور الهام، فإذا تخلفت السلطة في التزاماتها في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان احتياجا ماسا إلى هاته الحماية، فان له أن يمارس تلك الحماية بنفسه، و ذلك من قبيل العودة إلى الأصل، و رغم أن الدفاع المشروع هو حق طبيعي تقرره طبيعة الأشياء و تقرره قواعد القانون الطبيعي للبشرية، إلا أنه و رغم ذلك يعتبر الدفاع الشرعي مبدأ من مبادئ القانون الطبيعي.
كما أن فكرة الدفاع الشرعي تستند على أسس دينية في الشريعة الإسلامية، و خير دليل قوله تعالى (ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
إن القوانين العقابية في معظم الدول تنص صراحة على أن الدفاع الشرعي مباح و هو من الأفعال المبررة في قانون العقوبات، و أحسن أمثلة في القانون الفرنسي في المادة 327، و القانون المصري في مادته 245 من قانون العقوبات، و إباحة القانون الجزائري في مادته 39 الفقرة الثانية و المادة 40 من قانون العقوبات.
و قد اختلفت أراء الشراح على الأساس القانوني الذي بنيت عليه تلك النصوص القانونية المبيحة فقال البعض أن الدفاع الشرعي حق شرعي للمدافع، و يقول البعض انه واجب، لكن الواجب في القانون تترتب عليه مسؤولية القانون إن لم يقم بهذا الواجب، و هذا لا ينطبق لأن المدافع لا يسأل إن لم يدافع بنفسه على نفسه، أو عن ماله، أو عن نفس الغير أو ماله، و يرى البعض أنها رخصة منحها المشرع لأفراد إذا شاءوا استخدموها و إن شاءوا أهملوها، و الرخصة لا يقابلها الالتزام، و يرى البعض بأنه حلول محل السلطة إذ أن المشرع يفوض الفرد على أن يدافع عن نفسه و ماله و نفس غيره و مال غيره في حالة غياب رجال السلطة لكن هذه التسمية لا تتطابق مع النصوص الخاصة، فهو لا يحل محل السلطة في تتبع الجريمة، و البعض يرى أن الدفاع الشرعي حالة مشروعة، لذا سمي بحالة الدفاع الشرعي، إذ القانون يخول لجميع الأفراد في حالة الاعتداء الحال أن يدفعوه بالقوة عن أنفسهم أو عن غيرهم، و اشترط عدة شروط إباحة هذه الجريمة في هذه الحالة.
شروط الدفاع الشرعي:
نص المشرع الجزائري على حالة الدفاع الشرعي في المادتين 39 و 40 من قانون العقوبات، حيث أن:
المادة 39: لا جريمة:
1. إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون،
2. إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء.
المادة 40: يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع :
1-   القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة   الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل.
2-   الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة.
و في استقرائنا للفقرة الثانية من المادة 39 نجد أن المشرع عبر عن إباحة تلك الأفعال بقوله (لا جريمة) كما نلاحظ أن الإباحة قاصرة على دفع الاعتداء، أي منع وقوعه و إيقافه عند حده، و ذلك واضح من عبارة النص (للدفاع) و واضح من تعبير النص أيضا أن سبب الإباحة يشمل الدفاع عن النفس و المال أو أحدهما، و كذلك عن نفس الغير أو ماله، و كذلك يتبين أن المشرع اشترط أن يكون الدفاع قد دفعت إليه ضرورية حالية، أي أن يكون خطر اعتداء قائما و واقعا فعلا أو على وشك الوقوع، أي فوريا و أن يكون الدفاع متلائما مع جسامة الاعتداء الواقع أو وشيك الوقوع.
و أما استقرائنا لنص المادة 40 يتبين لنا أن المشرع نص على فئتين من الجرائم، و اعتبر هاتين الفئتين داخلتين في ضرورة الدفاع المشروع، فبالنسبة للفقرة الأولى فان توافر ظرف الليل قرينة قانونية على حق المدافع في رد الاعتداء عن نفسه أو نفس الغير أو ماله أو مال الغير، إذا وقع الاعتداء عن طريق التسلق، أو تحطيم المداخل للمساكن المسكونة، أو ملحقاتها، و ذلك لأن هذه الأفعال بطبيعتها لا ترتكب إلا بقصد الاعتداء على الأشخاص أو الاستيلاء على الأموال، و في ارتكاب هذه الجرائم ليلا ترويع للمجني عليهم من ناحية، و استغلال فرصة عدم وجود عناصر الأمن لنجدة المجني عليهم من ناحية أخرى، لذا نص على أن هذه الأفعال تبيح القتل و الجرح و الضرب، فلا جريمة، أي لا مسؤولية و لا عقوبة، و بالتالي لا مجال لبحث المسؤولية و لا توقيع أي جزاء على المدافع، و بهذه المناسبة نذكر أن هذه الأنواع من الاعتداءات إذا ارتكبت نهارا فإنها تعتبر فقط أعذار مخففة للعقوبة و لا أسباب للإباحة، و منه المادة 277 من قانون العقوبات الجزائري التي نصت صراحة أنه: (يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص).
أما المادة 278 فقد نصت كذلك: (يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار.
و إذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40).
أما بالنسبة للفقرة الثانية فلم يشترط المشرع وقوع جرائم السرقات أو النهب بالقوة ليلا، مما يدل على أنه يبيح القتل و الجرح و الضرب لدفعها نهارا أو ليلا، إذا وقعت على المدافع، أو على غيره من الناس، و لكي لا يختلط الأمرين بين الفقرتين فقد تمت الاستعانة بتفسير القانون الفرنسي التي نصت على أن تفسير هذه الفقرة قد وضعت خصيصا لردع إجرام قطاع الطرق وعصابات السطو المسلح التي تهاجم المسافرين على الطريق العامة و التي انتشرت في فرنسا، و يبدو أن المشرع الجزائري قد استلهم هاته الفكرة من هذا النص بتأمين المسافرين في الطريق العمومي في النهار أو في أثناء الليل، و انه اعتبر جريمة السطو في الطريق العمومي قرينة قانونية لحالة الدفاع المشروع.
و الواضح أن البلاد شهدت في الآونة الأخيرة نفس الجرائم التي لم يتطرق إليها في تلك الآونة قانون العقوبات.
و بتفحصنا لفقرتي المادة 40 مع اعتبار الجرائم التي وردت فيهما قرائن قانونية على حلول الخطر المبيح للدفاع الشرعي، إلا أن الدفاع المشروع في تلك الجرائم يخضع لباقي الشروط التي أوردها في المادة 39 الفقرة الثانية، وهي متعلقة بحق الدفاع أن يكون متلائما مع الاعتداء، بتعبير آخر يكون الدفاع ضروريا أي لازما و أن يكون متناسب مع الاعتداء من حيث المقدار أو الكمية، لذا يمكن حصر هاته الشروط في خمسة نقاط: الثلاثة الأولى تتعلق بالاعتداء، و الاثنين الآخرين يتعلقان بالدفاع:
1) الشرط الأول: حلول خطر الاعتداء
و يستفاد من هذا الشرط من تعبير النص الضرورة الحالية و الآنية، أي القائمة حاليا (في نفس الوقت أو الآن) حتى يباح الرد أو الدفع أو المدافعة، و بتفسير أدق يشترط أن يكون الاعتداء حالا، أي واقعا فعلا، أو على الأقل وشيك الوقوع، مثل قيام شخص بضرب شخص آخر بعصا و عندما رفعها للمرة الثانية تمكن المجني عليه بدفع المعتدي و لطمه بعدة لطمات، لتمكينه من منعه من إيذائه و جرده من عصاه، فطالما بدأ الاعتداء فهو حالا بلا شبهة و يباح دفعه و لا صعوبة في ذلك.
و هنا نتساءل إذا حل خطر الاعتداء دون أن يقع فعلا أو حتى دون أن يبدأ فيه، فهل يجوز معه الدفاع المشروع؟ و الجواب على ذلك أن نص المادة 39 من قانون العقوبات لم تستلزم وقوع الاعتداء فعلا، حيث نصت: (لا جريمة إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير...) و لا شك أن الخطر وشيك الوقوع أي أن الخطر الداهم المحدق بالنفس أو بالمال يعتبر ضرورة حالة لدفعه لتوقي و منع حدوث الإيذاء، و نعود للمثال السابق لو أن المعتدي رفع عصاه قاصدا ضرب المجني عليه و قبل أن يضربه نهض هذا الأخير و ضرب المعتدي ليدفع عن نفسه ذلك الاعتداء الوشيك الوقوع، فان فعله يعتبر مباحا و مبررا مع أن الاعتداء لم يقم بالفعل، لكنه كان على وشك الوقوع فالخطر حالا و ضرورة دفعه قائمة تبرر الدفاع عن النفس أو نفس الغير أو عن المال أو مال الغير.
لكن يصعب الأمر إذا كان خطر الاعتداء مستقبلا أو كان تصوريا، و يقصد بخطر المستقبل أن يكون الخطر الذي يهدد الإنسان في سلامة جسمه أو ماله، ليس حالا و لا وشيك الوقوع، بل يكون متوقعا أو قريبا، و هاته جريمة قائمة بذاتها و هي فعل التهديد، و المثال عن ذلك أن يتقدم الجاني إلى المجني عليه و يقوم بتهديده بأنه سيضربه أو سيقتله، فهذا التهديد يخلو من فعل الإيذاء و الاعتداء، لا يعتبر ضرورة حال للدفاع الشرعي إذا نهض المجني عليه و قام بضرب الجاني لمجرد التهديد يكون المجني عليه معتديا و لا يدخله فعله تحت الدفاع المشروع لعدم حلول الخطر في هذه الحالة.
أما الخطر التصوري فيقصد به أن يتصور شخص ما أن خطر يحل به، أو أنه يتخوف من اعتداء معين يوشك أن يقع عليه، فيحاول دفعه بارتكاب جريمة القتل أو الضرب بينما تكون الحقيقة و الواقع لا مبرر لتصوره و لا يوجد خطر حقيقي يهدده، و مثالا عن ذلك أن شخصين على عداء سابق و تصادفا أو تقابلا في الطريق العام، و أحدهم يحمل عصا، فاعتقد الثاني على حد تصوره أن عدوه سيضربه فبادر هو بالضرب و أصابه، فلا يعتبر فعل هذا الأخير دفاعا مشروعا لأن تصوره حلول الخطر أو الاعتداء تصور غير معقول إذ أن حمل العصا في حد ذاته لا تعتبر جريمة و التقاءه بعدوه في الطريق العام، مسلك يسلكه جميع الناس، و هذا بدوره لا يشكل خطرا حالا، أما إذا رأى المجني عليه الجاني يتربص له في الظلام و بيده مسدس و بجوار داره، فتصور أنه يترصد له لقتله فان هذا التصور تصورا منطقيا و مقبولا لأنه مبني على أسباب معقولة، فلا شك أن خطر المتصور و إن لم يكن خطرا حقيقيا لكنه مبنيا على أسباب معقولة بشرط أن تتوفر عدة أسباب كالعداوة و التهديد...الخ.
و نستنتج مما سبق، أنه إذا كان الخطر مستقبلا فهو لا يبيح الدفاع، كما أن الخطر التصوري الذي يبنى على التخوف لأسباب غير معقولة لا يبيح الدفاع أيضا، و نضيف أيضا أن الخطر إذا زال أو انقضى فهو بدوره لا يبيح الدفاع المشروع، و مثالا عن ذلك قيام المجني عليه بالجري وراء الجاني بعد أن ضربه و هرب فعوض أن يتقدم بشكوى في الأمر جرى وراءه و قام بقتله، فان هذا الأخير يسأل عن جريمة القتل و لا تقبل منه حالة الدفاع لأنه يعتبر منتقما و مقيما للعدالة بنفسه، لأن الجاني قد فر هاربا بعد أن قام بالاعتداء، في حين أن المجني عليه و عوض تقديم شكوى أراد إقامة العدالة بنفسه.
2) الشرط الثاني: أن يكون موضوع الاعتداء من جرائم النفس أو المال:
يجب أ ن يكون محل الاعتداء إما النفس و إما المال و إما النفس و المال معا، و يستوي في ذلك أن يكون محل الاعتداء هو نفس المدافع أو ماله أو نفس مال الغير، ولم يشترط القانون ضرورة توافر صلة القرابة و إنما نص على نفس و مال الغير.
و المقصود من جرائم الاعتداء على النفس تلك الجرائم التي تمس حق الحياة، و حق سلامة الجسم، أو جرائم الاعتداء على العرض أو جرائم الماسة بالشرف و الجرائم على حرية الشخصية كالخطف و الحجز و غيره.
و يقصد بجرائم الاعتداء على المال السرقات بالعنف أو بغير عنف و التخريب و الحريق العمدي و انتهاك حرمة مسكن.
3) الشرط الثالث: أن يكون الاعتداء غير مشروع:
لكي يكون دفع الاعتداء مشروعا يجب أن يكون الاعتداء ذاته غير مشروعا، فلا يجوز القول بأن الأب الذي يمارس حق تأديب على ابنه يستعمل حقه القانوني، فلا يمكن التدخل لدفع ذلك الاعتداء كون هذا الأخير يمارس حقه التأديبي، أو الشرطي الحامل للبذلة الرسمية يقبض على المتهم و يقوم هذا الأخير برد الاعتداء مستعملا حقه في ذلك، كما لا يحق للسارق أو اللص الذي تسلق محاولا السرقة و تقدم صاحب المنزل و قام بصد الاعتداء، غير أن المجني استعمل أداة مصرحا رد الاعتداء أو دافع عن نفسه، من هذا نستخلص أن:
أ) لا يجوز الدفاع الشرعي لمقاومة فعل من أفعال استعمال الحق المباشر.
ب) لا يجوز الدفاع الشرعي لمقاومة فعل من أفعال ممارسة السلطة القانونية.
ج) لا يجوز الدفاع الشرعي لمقاومة فعل صادر من المدافع الأول دفاعا شرعيا.
إلا أن هذه النتائج مشروطة بعدم تجاوز حدود الأفعال المباحة، وتفسير ذلك أن يمارس حقه أو سلطته أو دفاعه المشروع، و إذا تجاوز حدود الحق أو السلطة أو الدفاع يصبح معتديا و يجوز عندئذ دفع لاعتدائه بمجرد تجاوز الحدود القانونية للإباحة المخولة له.
هاته الشروط السالفة الذكر متعلقة بفعل الاعتداء، أما الشرطين الباقيين فهما متعلقين بفعل الدفاع أو ما يعرف بشرط اللزوم و شرط التناسب، و يمكن أن نطلق عليهما شروط التلاؤم بين الدفاع و الاعتداء أو تكافؤ الدفاع مع الاعتداء.
4) الشرط الرابع: يجب أن يكون الدفاع لازما
المدافع هو صاحب الحق المهدد بالدفاع عليه و يشترط في الدفاع من حيث كيفيته أن يكون ضروريا أي أن يكون فعل الدفاع لازما و مطلوبا، لرد ذلك الاعتداء بتلك الكيفية التي أتاه بها المدافع و شرط اللزوم هذا عبر عليه القانون في المادة 39 من قانون العقوبات بعبارة (ضرورة الحالة) و نستخلص من ذلك:
أ ـ أن يكون الدفاع هو الطريقة الوحيدة لرد الاعتداء، و معناه أن لا يلجأ المدافع إلى استعمال القوة و العنف إذا وجدت طريقة أخرى للدفاع، كأن يستنجد بآخرين أو بمصالح الأمن، فإذا تعذر ذلك يكون الدفاع من جانبه لازما لرد الاعتداء.
ب ـ أن يوجه الدفاع إلى مصدر الاعتداء و تفسير ذلك أن الدفاع يكون لازما إذا وجه المدافع فعله إلى مصدر الاعتداء فإذا وجهت المدافعة لغير المصدر لا تعتبر لازمة، و بالتالي تعد جريمة و مثل ذلك يحرض شخصا كلبا على شخص ثان فعوض أن يقوم المجني عليه بضرب الكلب لأنه مصدر الاعتداء لكنه توجه إلى صاحب الكلب و قام بالاعتداء عليه.
ج ـ أن يكون الاعتداء فوريا و هو ألا يكون الدفاع لازما إلا أثناء حلول الخطر للاعتداء، أي معاصرا لحدوث الخطر بالاعتداء على النفس و المال، و يعني ذلك أنه لا يكون الدفاع سابقا لحلول الخطر و لا لاحقا له بعد الانتهاء من الاعتداء، و إنما من قبيل الانتقام أو إقامة الإنسان العدالة بنفسه كما سبق الإشارة إليه.
5) الشرط الخامس: أن يكون الدفاع متناسبا مع الاعتداء:
و يقصد به شرط التناسب أي أن يكون فعل الدفاع من حيث كميته مع فعل الاعتداء، و ليكن مفهوما أن التناسب ليس معناه التماثل، و لا يقصد به التطابق و تفسير ذلك أنه إذا كان الاعتداء بالضرب بالعصا فلا يطلب من المدافع أن يستخدم في دفاعه عصا مماثلة، أو بنفس النوع أو أن يكون عدد الضربات للمعتدي مطابقة لعدد الضربات التي توجه إليه، و لكن المقصود بالتناسب أن يكون الدفاع بمقدار يكفي لرد الاعتداء و لا يتجاوزه.
و هنا يثار التساؤل عن كيفية معرفة مدى توافر هذا الشرط، و بتعبير أدق يكون السؤال ما هو معيار التناسب؟، و للرد عن هذا السؤال نقول بأن المعيار الموضوعي يقاس بتصرف الرجل العادي متوسط الذكاء في نفس الظروف التي أحاطت بالمدافع، و يرجع تقدير هذه الظروف لقاضي الموضوع بحسب ظروف كل واقعة.
الآثار القانونية للدفاع المشروع:
مبدأ إباحة الدفاع المشروع في قوانين العقوبات كافة، فهو يبرر الفعل و يبيحه و ينزع منه رداء التجريم و العقاب، و يرده إلى الإباحة الأصلية، و الآثار القانونية التي تترتب عن الدفاع الشرعي هي انعدام صفة التجريم، و بالتالي لا مسؤولية جنائية و لا مدنية و لا يكون هناك محل لتوقيع أية عقوبة أو تدابير، بل يمكن للنيابة أو لقاضي التحقيق أن يأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية لعدم الجريمة، و إذا كانت الدعوى العمومية قد حركت و معروضة على المحكمة فإن القاضي يحكم بالبراءة.
و تلك الآثار تترتب إذا توافرت الشروط الخمسة السالف ذكرها، و غني عن البيان في المادة 40 من قانون العقوبات الجزائري، فقد افترض المشرع توافر الشروط الثلاثة الأولى في الحالات التي نصت عليها المادة في فقرته الأولى و الثانية، و معنى ذلك أن الجرائم التي تضمنتها هاتان الفقرتان يتوافر فيها حلول الخطر و عدم المشروعية، و إنها تدخل في الجرائم الجائز دخلها قانونا، ففي تلك الجرائم يدور البحث فقط عن مدى توافر الشرطين الأخيرين لأن النص بحالته يعتبر قرينة قانونية على توافر الشروط الثلاثة الأولى، لذا سميت بالحالات المتميزة في الدفاع المشروع.
و هنا يثور التساؤل عن حكم تخلف إحدى الشروط في الدفاع الشرعي أو عن حكم تجاوز حدوده بصفة خاصة، و للإجابة عن ذلك نقول إن تخلف احد الشوط بما فيها شرط التناسب يخرج الفعل من دائرة الدفاع المشروع فيصبح جريمة قائمة بأركانها و يسأل مرتكبها طبقا للقواعد العامة عن فعله كجريمة عمدية، إذا كانت نية الفعل متجهة لإحداث الضرر التي وقعت، أما إذا كان لم يكن يقصدها فيسأل عن الفعل باعتباره جريمة غير عمدية ما دام المشرع ينص عليها بهذا الوصف.
قانون العقوبات الجزائري لم يخص حالات تجاوز حالات الدفاع الشرعي بنص خاص و اكتفى بالأعذار المخففة العامة و المنصوص عليها في المواد 277، 278، 283.
المادة 277: يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص.
المادة 278: يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار.
و إذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40.
المادة 283: إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه الآتي:
1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد.
2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأية جناية أخرى.
3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة.
 و في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة يجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالمنع من الإقامة من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر.)
و الواضح في نص المادة 277 أن الاعتداء على الشخص بالضرب أو تهديد بالاعتداء يخوله عذرا مخففا إذا ارتكب جرائم الاعتداء على النفس دفعا للأذى، و لم يشترط هذا النص توافر تناسب و تفسير ذلك انه إذا لم تتوفر شروط الدفاع و خاصة شرط التناسب، فانه يمكن للمدافع الذي تجاوز حدوده و الدفاع أن يتمسك بالاستفادة بهذا العذر ما دام فقد حقه في الدفاع المشروع الذي يعفيه من العقاب كليا.
و خلاصة القول أن قانون العقوبات الجزائري استنادا لأحكام الأعذار المخففة العامة فإن تجاوز حدود الدفاع المشروع يؤدي لا إلى عدم العقاب كليا، بل إلى تخفيف العقوبة.

ليست هناك تعليقات