2025/08/20

قرار ولوج الماستر: إصلاح مرتَبِك يكرّس الفوارق بدل معالجتها

 قرار ولوج الماستر: إصلاح مرتَبِك يكرّس الفوارق بدل معالجتها

صدر بالجريدة الرسمية عدد (7430) بتاريخ 14 غشت 2025 قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار رقم 1891.25 القاضي بالمصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية الخاص بسلك الماستر. وقد أثار هذا القرار، منذ الإعلان عنه، عددا من التساؤلات والجدل حول خلفياته ودلالاته وانعكاساته على مسار إصلاح التعليم العالي، لا سيما في ظل مجموعة من القضايا والاشكالات التي اثرت مؤخرا بخصوص سلك الماستر.

قرار ولوج الماستر: إصلاح مرتَبِك يكرّس الفوارق بدل معالجتها

وحسب مضمون ذات القرار، فان اختيار المترشحين لولوج سلك الماستر سيتم بناء على عملية الانتقاء والتي ستعتمد بشكل أساسي على معدلات النقط المحصل عليها بسلك الاجازة، سواء في صيغتها العامة أو المرتبطة بالتخصص المطلوب، وإلغاء الإجراءات المرتبطة بإجراء الامتحانات الكتابية والمقابلات الشفاهية، حيث أثارت هذه النقط نقاشا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعترض، معتبرين أن هذا الإجراء يمثل تحولا مهما في شروط ولوج الماستر، بما يحمله من رهانات وإكراهات على حد سواء.

وفي هذا الإطار، فإن هذا الإجراء، الذي يندرج ضمن مسلسل الإصلاحات التي أطلقها الوزير الجديد منذ توليه حقيبة التعليم العالي، لا يُعد مستجدا في حد ذاته، إذ سبق اعتماده في مراحل سابقة. غير أن محدودية نتائجه وعجزه عن مواكبة التحولات والدينامية المتسارعة التي يشهدها البحث العلمي على المستويين الوطني والدولي، كانت وراء مراجعته والتخلي عنه في وقت سابق، وهو ما أفرز اعتماد آليات أخرى كالمباراة الكتابية والمقابلة الشفوية والانتقاء الأولي كعناصر أساسية في تحديد لائحة المرشحين لولوج سلك الماستر.

وأمام هذين المسارين المتباينين، وفي ظل اعتماد دفتر جديد للضوابط البيداغوجية الوطنية الخاصة بسلك الماستر، تطرح أسئلة جوهرية حول مدى وجاهة هذا الاختيار وقدرته على الاستجابة لمتطلبات الإصلاح الحقيقي. فبينما يبدو أن الوزارة تسعى من خلال هذا الإجراء إلى قطع الطريق أمام بعض الممارسات غير السليمة المرتبطة بالمتاجرة بمقاعد الماستر، عبر تكريس مبدأ الاستحقاق بناء على النقط المحصل عليها في سلك الإجازة، فإن هذا التوجه يكشف في المقابل عن تراجع الوزارة عن تحمل مسؤوليتها في الإشراف المباشر على المباريات وضمان تكافؤ الفرص، ذلك أن آليات الانتقاء المعمول بها سابقا، من امتحانات كتابية ومقابلات شفوية إلى جانب النقط المحصل عليها في الإجازة أو البكالوريا، كانت تتيح هامشا أوسع لإبراز الكفاءات، وتمكن أصحاب المعدلات المتوسطة من استدراك فرصهم وإثبات جدارتهم داخل منظومة التعليم العالي، الأمر الذي لن يصبح متاحا في ظل الاصلاح الحالي.

كما أن اعتماد المعدل الدراسي وحده كمعيار لانتقاء المرشحين يُعد خيارا مرتبكا وغير منسجم مع رهانات الإصلاح الهادفة إلى تقليص الفوارق وتحقيق العدالة في مجال التعليم العالي. ذلك أن المسار الأكاديمي للطلبة قد يتأثر، كسائر المسارات الإنسانية، بعوامل صحية أو اجتماعية أو اقتصادية، مما قد ينعكس سلبا على نتائجهم الدراسية من دون أن يشكل بالضرورة مؤشرا موضوعيا على كفاءاتهم أو مؤهلاتهم العلمية. يضاف إلى ذلك ما تشهده سنوات سلك الإجازة من اكتظاظ داخل المدرجات، الأمر الذي يضعف من جودة التحصيل ويؤثر بشكل مباشر في المعدلات المحصل عليها، فضلا عن استمرار بعض مظاهر الغش خلال الامتحانات، حيث تجعل هذه العوامل من معيار الانتقاء القائم حصرا على النقط المحصل عليها في سلك الإجازة معيارا يفتقر إلى الموضوعية والإنصاف.

إن الاقتصار على نقاط الإجازة لا يمكن اعتباره إصلاحا جوهريا لنظام الولوج إلى سلك الماستر، بل قد يؤدي إلى نقل الاختلالات من مستوى مباريات الماستر إلى مرحلة الإجازة نفسها، وهو ما قد يزيد المشهد تعقيدا، خاصة في ظل ما تعرفه هذه المرحلة من اكتظاظ داخل المدرجات، وصعوبة توفير تقييم دقيق وعادل لمستويات الطلبة.

إن الجامعة المغربية اليوم في حاجة ماسة إلى إصلاحات أكثر عمقا وشمولا، تركز على تطوير بنياتها التحتية، وتعزيز طاقمها من الأساتذة والأطر الإدارية، مع اعتماد مقاربة حازمة في مواجهة كل أشكال المخالفات، حيث يقتضي ذلك إدماج الوسائل التكنولوجية الحديثة في مراقبة مباريات الولوج إلى سلك الماستر، بما في ذلك وضع كاميرات داخل قاعات الامتحان لضبط أي تجاوز محتمل، وهي إجراءات من شأنها تقليص مظاهر الفوضى والحد من أشكال المحسوبية والفساد، بما يعزز مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق