Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

إستراتيجية تدبير الممتلكات الجماعية

إستراتيجية تدبير الممتلكات الجماعية. لاعتبار أن مسألة عقلنة استغلال الأملاك الجماعية ليست بالإشكال السهل، بل تتطلب اتخاذ مجوعة من ...


إستراتيجية تدبير الممتلكات الجماعية.
لاعتبار أن مسألة عقلنة استغلال الأملاك الجماعية ليست بالإشكال السهل، بل تتطلب اتخاذ مجوعة من التدابير الحتمية والتي تفرضها إكراهات التنمية المحلية، هذا بالإضافة إلى الوضع التدبيري للأملاك والذي عرف هيمنة السلطة المركزية نظرا لحيازتها  على مقومات بشرية وقانونية تجعلها الوحيدة القادرة على تدبير استغلال الأملاك العامة، إلا أن الوقت قد حان للبحت عن أفاق جديدة لتدبير الممتلكات الجماعية، والمبادرات التي يجب اتخاذها للرفع من مردوديتها، وهذا لن يتأتى إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار النقط التالية:

- مراجعة الإطار القانوني وضبط الوضعية الإدارية للممتلكات الجماعية
- عصرنة الإدارة المحلية
- الرفع من مستويات تكوين الموارد البشرية المحلية، لكي تكون في مستوى المسؤولين المركزيين، وبالرفع من المستوى الثقافي للمنتخب المحلي
- اعتماد البعد التشاركي في تدبير الملك العام المحلي
-تطوير العلاقة بين السلطة المركزية والسلطة المحلية المنتخبة بالتعاون الفعلي بين السلطتين
- حماية وصيانة الأملاك الجماعية
فهل خضعت النصوص المنظمة للأملاك العامة المحلية إلى تحسين وتحديث من طرف المشروع أم ظلت جامدة؟
وإذا كانت الجماعات المحلية أخذت على عاتقها مهمة التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإنها أصبحت ملزمة بإتباع أساليب التنمية الهادفة إلى الزيادة في الطاقات الإنتاجية للمجتمع المحلي، فما هي الوسائل والآليات المعتمدة في هذا الإطار؟ وهل يمكن تجاوز محدودية تدبير الممتلكات الجماعية اعتمادا على البعد التشاركي في تدبير هذه الأخيرة؟
وللإجابة على هذه الإشكالية قمنا بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين لنتناول في (المطلب الأول) آليات عقلنة تدبير الممتلكات الجماعية المحلية وفي (المطلب الثاني) محدودية دور المجالس الجماعية في استغلال الأملاك الجماعية.



المطلب الأول: عقلنة تدبير الملك العام المحلي.
لتدعيم الديمقراطية المحلية وتطويرها والارتقاء بها إلى أفضل المستويات، لا تمر إلا عبر إصلاح المنظومة القانونية، وكدا التركيز على مدى توجيه الاهتمام بالعنصر البشري، المكون في مجال تدبير الملك العام، والذي يبقى في حقيقة الأمر، القلب النابض والمحرك الحقيقي للفعل المحلي في شتى قوانينه الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية، سواء تعلق الأمر بالوظيفة العمومية الجماعية أو بالمنتخبين المحليين.
فالتكوين والتأهيل اللائق هو السبيل الوحيد لتوفير التجربة والكفاءة ورفع المهارات والقدرات الإدارية والتقنية والقانونية، وبالتالي الرفع من المؤهلات لتدبير المنتخب والموظف الجماعي على حد سواء، لمواكبة المستجدات التي يعرفها التطور المتزايد والسريع لحاجيات الملحة للساكنة المحلية، من خلال ما تقدم سنتطرق إلى مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي للأملاك الجماعية في(الفرع الأول)، مع العمل على تطوير وتحديث الإدارة الجماعية في (الفرع الثاني).
الفرع الأول: مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي للأملاك الجماعية.
لتدبير الممتلكات الجماعية، يتطلب عقلنة استخلاص مواردها وتنميتها وصيانتها، وكذا تبسيط المساطر القانونية وتحديد المسؤوليات ومن شأن ذلك إعطاء نوع من الجودة في توظيف العقار بطريقة عقلانية ومنظمة (عملية الكراء الدخول في مشاريع اقتصادية واجتماعية).
والاستغلال الأمثل لسومة الكراء بما يتلاءم وأسعار السوق هذا من شأنه إعطاء القيمة الملائمة لهذه الممتلكات.
أن إشكالية نجاعة تدبير الممتلكات الجماعية تكتسي أهمية كبرى، داخل منظومة تسيير الجماعة، وهذا ما يستلزم وضع دليل عملي يوضح المقتضيات القانونية والإجراءات التنظيمية والتطبيقية الواجب اتباعها في  مجال استغلال الأملاك الجماعية.
لكن المثير للجدل هو أنه رغم تطور أغلب القوانين ورغم التغييرات الجذرية التي عرفها المغرب سواء في المجال الحقوقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ورغم بورز مبدأ الديمقراطية المحلية الذي جسده الظهير30 شتنبر 1976، وكذا القوانين اللاحقة قانون 78.00 وقانون 17.08، فإن النصوص  المنظمة  للأملاك العامة المحلية بقيت جامدة ولم تعرف أي تغيير، وهذا ما يدفعنا للإلحاح على ضرورة تحيين وتحديث هذه النصوص حتى تساير المستجدات التي تعرفها الساحة القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديث هذه النصوص يطرح في وقت أصبح فيه العقار قيمة بالغة الأهمية، و هكذا فإن مراجعة الإطار القانوني والتنظيمي لكي يكون فعالا يجب مراعاة النقط التالية:  
- تحديث و تحيين النصوص القانونية.
-  توحيد و شمولية هذه النصوص.
أولا: تحيين النصوص القانونية المنظمة للأملاك المحلية.
يشكل الملك العام الجماعي أهمية كبرى باعتباره وعاءا ضروريا لكل مشروع تنموي، و كمصدر و مورد للجماعات المحلية، حيث أصبحت مسألة تدبير الأملاك العامة، قيمة اقتصادية مهمة، فقد أصبح موضوع تحيين و تطوير النصوص القانونية أمرا لازما للوصول إلى تدبير اقتصادي للملك العام المحلي[1]، و لتحقيق ذلك وجب على المشرع أن يراعي النقط التالية:  
1-   ضبط العمليات العقارية.
تتم العمليات العقارية في أغلب الأحيان بدون مراقبة صارمة وكذلك في غياب نصوص تشريعية محكمة، الشيء الذي ترتب عنه ضياع حقوق عقارية للجماعات المحلية، بسبب التصرفات العشوائية لهذه الأخير.
وعلى هذا الأساس إذا كنا نطمع في أن يكون للممتلكات الجماعية قيمة اقتصادية تتجلى في طابعها الاستثماري فإننا نقترح ما يلي:
- وضع قانون ينظم طرق الانتفاع من هذه الممتلكات[2]، وذلك بغية مراقبة استغلالها ومنع العشوائية في التدبير، وذلك بإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
- إعطاء الحرية للجماعات المحلية في تحديد الإتاوات الواجب استخلاصها من جراء استعمال أملاكها حسب أهميتها.
- تجميع النصوص القانونية والتنظيمية في مدونة واحدة.
2-   عمليات الاستغلال المؤقت.
تعتبر عملية الاستغلال أو الاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي من أهم العمليات التي تجري على الملك العقاري المحلي، وقد سبق أن نظرنا لهذه العملية في الفصل والاختلالات التي تعرفها.
ولتجاوز هذه الإختلالات يجب إتباع مالي:
الرفع من الرسوم المستحقة لهذه العملية لكي تساير التطور الاقتصادي والاجتماعي
وضع مخطط توجيهي يوضح بدقة الأملاك العامة التي يمكن أن تكون موضوع استغلال مؤقت.
تبسيط إجراءات مسطرة استغلال المؤقت وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الضخمة كالمشاريع التجارية والسياحية الكبرى.
إعادة النظر في المقتضيات التي تعطي للإدارة الحق في إنهاء الترخيص متى شاءت وتقييد هذه السلطة بشروط تحمي حق المستفيد من الرخصة.
نقترح أيضا عند وضع المخططات التوجيهية لاستعمال الملك العام أن تصاحبه دراسات ميدانية لمعرفة المستثمرين المحتملين وحملات للتعريف بهده المخططات.
كانت هذه بعض الاقتراحات التي تبدو لنا ضرورية لتحسين وتطوير النصوص القانونية، ومن خلالها تحديت وعقلنة الأملاك العامة المحلية، حتى يصبح القانون بالفعل تعبيرا عن الإرادة  العامة للسكان المحليين وحتى يكون في خدمة التنمية المحلية.

ثانيا: توحيد وشمولية النصوص.
تعتبر مسألة توحيد وشمولية النصوص القانونية المنظمة للأملاك العامة المحلية، من أهم المواضيع التي يجب أن تنال اهتمام المشرع والباحث في هذا الميدان، فإذا كان هدفنا هو الوصول إلى تدبير  أفضل للأملاك العامة المحلية، فإن تحقيق هذا الهدف رهين بسن قانون واضح وصريح هدفه الوحيد هو المصلحة العامة والتنمية الذاتية للجماعة.
فالتعدد والتناقض يتنافى مع الوضوح، الشيء الذي يستدعي توحيد هذه النصوص[3] بشكل يراعى فيه تنقيتها لتفادي الجذل وتضارب الإجراءات.
1.    التوحيد الشكلي للنصوص.
تعرف القوانين المنظمة للأملاك العامة المحلية ازدواجية في تصنيفها، حيت تميز بين الأملاك العامة البلدية والأملاك العامة القروية، وذلك رغم وجود نصوص قانونية توحد بين الجماعتين، و هي قانون 17.00 وكذا قانون 17.08 المتعلقة بالتنظيم الجماعي، ولتفادي هذه الازدواجية نقترح ما يلي: 
·       ضرورة توحيد النصوص المنظمة للأملاك العامة المحلية سواء تلك المتعلقة بالبلديات والجماعات القروية، وحتى الأملاك العامة والأقاليم والجهات على اعتبار أن المباد ئ التي تحكم الأملاك العامة المتعلقة بالأشخاص المعنوية موحدة ولا تعرف الخلاف، فبالأحرى المتعلقة بالجماعات اللامركزية.
·       ضرورة ملائمة النصوص القانونية المنظمة للمجال العقاري المحلي مع الواقع اللامركزي  لمغرب اليوم.
2.    توحيد المبادئ.
يعتبر تعدد النصوص القانونية المنظمة للممتلكات الجماعية من أهم العيوب التي تعرفها،حيت يخلق هذا التعدد تضاربا وتباينا في المقتضيات المتعلقة بتدبيرها الشيء الذي ينعكس سلبا ويصعب معه التدبير الجيد والمعقلن لهذه الأملاك، وفي هذا الصدد نقتر ما يلي:
أ- توحيد المبادئ المنظمة لمساطر المصادقة على العمليات العقارية، وذلك بتوحيد الجهات المختصة بالمصادقة.
ب- تبني توصيات المناظرات الوطنية حول الجماعات المحلية ذات الطابع القانوني المتعلق بالأملاك العامة.
وهكذا فإن استعمال الممتلكات الجماعية استعمالا عقلانيا وتدبيرها بطريقة أمثل لا يتأتى إلا بإعادة النظر في القوانين والأنظمة المطبقة حاليا، مع اعتماد آليات أخرى، أكثر نجاعة تتمثل في ضرورة وتكوين وإمداد الجماعة بأطر كفأة تتكفل بتدبير وتنمية ممتلكات الجماعة المحلية، وتكثيف الحلقات التدريبية لفائدة موظفي وأعوان الجماعات المحلية لتمكينهم من التدبير السليم للممتلكات الجماعية، كما يستدعي ذلك تحديد معايير بسيطة ودقيقة وعلمية للتفريق بين الملك العام والملك الخاص للجماعة المحلية، خاصة عندما يتم إخراج الملك العمومي وإزالة صبغة الطابع العام عنه وإدخاله في مجال الملك الخاص، مع العمل على تنمية  هذه الممتلكات لجعلها رافدا مهما لتحقيق التنمية المنشودة.
فهل يستطيع العنصر البشري الرفع من جودة تسيير وتدبير الممتلكات الجماعية؟ وما هي الوسائل والآليات التي يمكن الاعتماد عليها للتدبير الجيد لهذه الممتلكات؟

الفرع الثاني: تحديث الإدارة المحلية.
توجد الجماعات المحلية عموما في قلب الأنظمة الإدارية والسياسية والاقتصادية للدولة رغم تباينها، لذلك لن نكون بمعزل عن التحولات التي يشهدها موقع الدولة بفعل جملة من العناصر التي تدفع نحو تسريع وثيرة الإدارة العمومية عموما في اتجاه التأسيس لما يسمى في الأدبيات الغربية بالمناجمنت العمومي المحلي الترابي[4]، و الذي يندرج ضمن               البحث المستمر والضروري عن أفضل الصيغ لتدبير إداري عمومي جديد يستجيب لعدة ضغوط[5]، والملاحظ أن الإدارة العمومية الجماعية أصبحت حاليا تأخذ بأسلوب الإدارة بالنتائج والأهداف في معظم الدول، حيث تعتبر هذه نقطة تحول جوهرية في الإدارة العامة الجماعية، حيث يتم تقييم الأداء  وتقاس مستويات فيه، بدءا من نتائج استخدام المدخلات، إلى قياس الآثار والنتائج، ثم قياس الآثار النهائي، أو على الأقل بقياس المدخلات والمخرجات وفي مرحلة تالية تقيس النتائج.
ولا يمكن أن يتأتى هذا إلا من خلال حقل تدبير الموارد البشرية[6]، وبما أن الجماعات المحلية أخذت على عاتقها مهمة التطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإنها أصبحت ملزمة بإتباع أساليب التنمية الهادفة بالزيادة في الطاقة الإنتاجية للمجتمع المحلي، ولن يتحقق ذلك إلا بإدارة مؤهلة لمواجهة كل مشاكل التنمية المطروحة.
ويبقى مجال الأملاك الجماعية شأنه شأن باقي المجالات التنموية الأخرى، في حاجة إلى هيكلة وتأطير إداري يجسد الطموحات الملقاة على عاتق الجماعات المحلية في ميدان التنمية، وهذا رهين بتأهيل وتدبير الموارد العاملة في الإدارة الجماعية، مع استعمال طرق وأساليب حديثة لتدبير الممتلكات الجماعية.
أولا :أهمية التكوين في مجال تدبير الممتلكات الجماعية.
إن التدبير المقاولاتي بالمجالس الجماعية يحتاج بالدرجة الأولى إلى عنصر بشري قادر على تطبيق مناهج هذا التدبير خاصة على مستوى وضع المخططات الإستراتيجية،إعداد الميزانية، تدبير الممتلكات الجماعية، المساهمة في التدخلات الاقتصادية للجماعة، تفعيل الأنظمة الداخلية للمراقبة[7]، لذلك فالمجالس الجماعية تبقى في حاجة إلى إتباع منهج التخطيط الإستراتيجية لتدبير ممتلكاتها، عبر تكوين عنصر بشري وذلك من خلال ما يلي:
- استخدام المخطط الإستراتيجي كمرشد ودليل للإدارة الجماعية قصد تحديد المتغيرات الهامة والتكيف معها بفعالية.
- خلق إدارة قادرة على التعلم والتكيف مع المتطلبات الحالية والمستقبلية.
- زيادة قدرة الإدارة على التنبؤ باحتياجاتها من الموارد البشرية التي بإمكانها تدبير ممتلكاتها الجماعية كما ونوعا وذلك عن طريق التدبير التوقعي للحاجيات من الموارد البشرية[8].
- زيادة قدرة الإدارة على تحديد أهدافها المتعددة والتعرف على نقاط الضعف و القوة داخلها، وتحديد البرامج التنفيذية للتعامل معها.
- تنمية الإدارة بصورة تتفق مع تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
- خلق وسيلة للربط بين سياسات وأنظمة الموارد البشرية، وسياسات تدريب وتنمية الأفراد، بإستراتيجية العمل الجماعي.
- زيادة الاتساق والتوافق بين خطط الموارد البشرية والعمليات التنفيذية.
- العمل على تحيين دفتر الممتلكات الجماعية وضبطه.
- الزيادة في فعالية استخدام الموارد البشرية وتحسين إنتاجيتها، وكذا تحسين شروط العمل داخل الإدارة عبر تحديد شروط الترقية وتدبير المسار المهني للموظف[9].
ولتعزيز الموارد البشرية المحلية يتطلب الأمر الاهتمام بالمنتخب المحلي أولا والموظف الجماعي ثانيا.
1.    ضرورة التكوين في مجال الأملاك الجماعية.
لقد أصبح هاجس تحديث تدبير الملك الجماعي من الاختيارات الإستراتيجية للإدارة الجماعية نظرا لأهميته، بحيث ظهرت مجموعة من المبادرات التي تريد تحديث هذه الوظيفة بالاعتماد على التجارب المقارنة وكذا عبر إقرار مجموعة من الدراسات المتعلقة بتدبير الممتلكات الجماعية، وذلك عن طريق نظام معلوماتي بإمكانه أن يساهم في تطوير هذه الممتلكات، وكذا تجديد الهياكل الإدارية، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال وضع برامج تكوينية في هذا المجال.
إلا أن الإكراهات الحالية للتدبير الجماعي وتحديات المرحلة المقبلة تتطلب أسلوب تفكير مشبع بثقافة" المانجمنت" وهذا ما يفتقده العديد من المستشارين الجماعيين[10].
ولكي يضطلع المنتخب المحلي بالأعباء الملقاة على عاتقه لابد من تأهيله على المستويين الفكري والتقني[11]، فغياب المؤهلات الفكرية والتقنية أثر سلبا على مردودية المجالس المحلية.
وعليه يثار التساؤل حول من المسؤول عن عدم فعالية المستشار الجماعي؟ وكيف يمكن إلقاء اللوم على المنتخب الجماعي مادام أن اختياره كممثل للسكان ليس مبنيا على الخبرة ومعايير التفافة  والتخصص؟
من الأنسب إذن، بعد تمام العمليات الانتخابية نهج سياسة تكوينية لفائدة المستشارين المحليين لتفادي السلبيات التي يمكن أن تنجم  عن جهل هؤلاء بأمور الشأن المحلي وخصوصا بمجال تدبير الممتلكات الجماعية باعتبار التكوين هو السبيل الأنجع لتحسين أداء العمل الجماعي وتجاوز بعض السلبيات التي تعيق نجاح تجربة اللامركزية ببلادنا، وهو ضرورة ملحة لكونه يضمن للمنتخب مواكبة التقدم الذي تعرفه المؤسسة الجماعية على صعيد التنظيم والاختصاصات[12]، فتكوين المستشار الجماعي شرطا أساسيا في كل إستراتيجية حقيقية للامركزية باعتباره يكفل له الرفع من كفاءاته وتلقينه المعرفة الضرورية لكل تنمية محلية، كما أن تحسين مهارة المنتخب وإغناء تجاربه وتنمية مؤهلاته في التخطيط والتدبير، لا يتأتى إلا عبر التكوين النافع واستكمال التكوين باستمرار.
ووعيا بأهمية التكوين، وإعادة تكوين المنتخبين المحليين تم عقد جملة من المناظرات الوطنية حول الجماعات المحلية، من أجل تحسيسهم وتوعيتهم بمهامهم في مجال التنمية المحلية، وأوصت بإعداد حلقات دراسية دورية تهم مجال الإدارة المحلية، وفي هذا الصدد ارتأت المناظرة الوطنية السادسة بتطوان ما يلي[13]:
·        إحداث معهد عالي بفروع جهوية.
·         إنشاء مركز التكوين المهني مختصة في التسيير الجماعي وتنظيم دروس ليلية ولو في نهاية الأسبوع لفائدة المنتخبين في مختلف التخصصات التي تهم الشأن المحلي وخصوصا تدبير الأملاك الجماعية وكيفية المحافظة عليها وتطويرها.
·       إحداث مؤسسة دائمة التكوين تقام على الصعيد الوطني.
·       إنشاء مراكز التكوين على الصعيد الوطني والجهوي والمحلي .
·       خلق خلية لتكوين المنتخبين على صعيد العملات والأقاليم.
·       -تنظيم مناظرات وطنية سنوية ولقاءات دورية على مستوى العملات والأقاليم لضمان الاتصال والإعلام بين المنتخبين.
·       تنظيم مناظرات محلية لاستكمال تكوين المستشارين.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن أي إستراتيجية تستهدف تحقيق نتائج ملموسة تستلزم إحاطتها بالتمويل اللازم، فكثيرا ما يعبر المنتخبون عن رغبات حقيقية في التكوين، إلا أن أمالهم تصطدم بعدم توفر الجماعات المحلية على الإعتمادات الضرورية، وعليه يجب التفكير وبجدية في تخصيص اعتماد خاص أو إحداث فصل في ميزانية الجماعات المحلية مخصصة لتغطية مصاريف الدورات التكوينية لمستشاريها، على أن تقوم الدولة بتقديم إعانات ومساعدات للجماعات التي لا تتوفر على موارد مالية كافية لتمويل حلقات التكوين واستكمال التكوين[14].
2.    تثمين الموظفين الجماعيين الذين يشتغلون بأقسام الممتلكات الجماعية.
لكي تقوم الجماعة بدور المنشط الاقتصادي للمنطقة وفق أساليب التدبير الحديثة، تبقى ملزمة بالرفع من قدرات مواردها البشرية ،حتى تتمكن من التدخل في ميادين معمقة من قبل التدبير  المالي، الجبايات المحلية، القروض، التخطيط، مراقبة التسيير، التدقيق الداخلي ثم تدبير الممتلكات الجماعية [15].
ويشمل تعزيز مكانة الموظف الجماعي جانبين التكوين والتحفيز:
- تكوين الموظف الجماعي: إن مسألة تكوين الموظفين وإعادة تكوينهم ومدهم بالدروس النظرية والتطبيقية ضروري لتقوية معارفهم المكتسبة بالمصالح الجماعية، وأيضا تكوينهم في مجال تدبير الموارد البشرية، أي تمكينهم من تقنيات تنظيم العمل والعلاقات داخل الإدارة المحلية[16].
وقد أوصت المناظرة الوطنية الثانية للجماعات المحلية[17]، بتعميم مراكز التكوين الإدارية والتقنية على الصعيد الجهوي، ويجب أن يكون التكوين متنوعا ويأخذ بعين الاعتبار  تعدد التخصصات والمهام.
لكن رغم التطور الكمي الذي عرفته الجماعات المحلية على مستوى تأطير الموارد البشرية[18]، إلا أن مجال تدبير الممتلكات الجماعية ظل مفتقرا للأطر الكفأة والمتخصصة، ونظرا لأهمية الملك العام في حياة الجماعة المحلية، نقدم بعض الاقتراحات التي من شأنها الرفع من مردردية الموظف المحلي في ميدان تدبير الأملاك الجماعية:
1.    تزويد الجماعات المحلية بأخصائيين في المجال العقاري
2.    تنظيم مؤتمرات وندوات لفائدة الموظفين الجماعيين والمستشارين على حد سواء
3.    إحداث سلك خاص لتكوين أطر عليا في مجال تدبير الممتلكات
4.    إحداث شعبة الممتلكات في كلية الحقوق[19].
تحفيز الموظفين الجماعيين العاملين بأقسام الممتلكات الجماعية، يعتبر من الحقوق المادية التي تمنح للموظف نتيجة العمل الذي يقوم به لفائدة الإدارة من أجل تشجيعه لتكون مردوديته أفضل.
لذلك من الضروري أن يعطى للحوافز أهمية كبرى للإدارة الجماعية، فرؤساء الأقسام والمصالح بالجماعات المحلية رغم تحملهم للمسؤوليات الجسيمة فإنهم لا يتقاضون أي تعويض عن المسؤوليات التي يتحملونها، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي الموظفين الآخرين بما فيهم عمال النظافة[20].
إن تطوير الموارد البشرية في الإدارة المحلية يستلزم مراجعة علاقات الفعل ونظام الأجور حتى يتم النهوض بالشروط الإدارية إلى شروط مغايرة لتلك القائمة حاليا وإلى جانب مسألتي تكوين وتحفيز الموظف الجماعي، يجب إعادة النظر في التوزيع الجغرافي للأطر حتى تستفيد الجماعات المحلية، من الكفاءات وخاصة الجماعات القروية التي تعاني الفقر والتهميش المطلق وقلة الأطر الكفأة.
ثانيا: استعمال تقنيات تدبير في مجال تدبير الملك الجماعي.
مما لاشك فيه أن الأزمة التي تعانيها الإدارة المحلية عموما والإدارة التدبيرية للملك العام خصوصا، لا يمكن فصلها عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الجماعات المحلية والتي تنعكس على أجهزتها الإدارية.
كما أن إدارة الأملاك العامة، ليست منفصلة عن المحيط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المحلي، مما يستلزم أخد المتطلبات ووجهات نظر السكان والقطاع الخاص بعين الاعتبار[21].
وبالتالي فعصرنة الإدارة على المستوى المحلي تعتبر خطوة إيجابية وضرورية لعصرنة وعقلنة تدبير الممتلكات الجماعية في كل مستوياتها، على اعتبار أن التطور والتقدم الذي تعرفه الإدارة المحلية يكون أكثر فعالية وإيجابية على قطاع الملك العمومي.
فما هي التقنيات والوسائل التي يمكن للإدارة المحلية أن تستعملها لتدبير الأملاك الجماعية تدبيرا محكما؟

1.    المعلوميات أداة لتدبير الجيد.
إن إدخال  المعلومات سيكون له الأثر  الكبير على مردودية الإدارة، حيت تستطيع أن تقدم خدمة للمرتفق، أي للمواطن الذي يزور الإدارة ،في أحسن الظروف وبدون تعقيد، كما أن استخدام المعلوميات داخل الإدارة يدعو إلى إعداد فريق من العاملين لكي يكونوا ذوي قدرة على التعامل مع الحاسوب[22].
فلا أحد ينكر الدور الذي أصبحت تضطلع به المعلوميات في مجال التدبير والتسيير، فهو ضرورة لازمة، ومؤشر هام عن فعالية نتائج التدبير في ميدان معين، وبالنسبة لمجال تدبير الملك العام المحلي، فإن أسلوب المعلوميات يمكن أن يؤدي خدمة هامة.
فميدان تدبير الأملاك المحلية يتطلب دقة خاصة وتعاملا مباشرا مع قوانين متعددة ومتفرقة،وتنسيقا وتصنيفا لمعلومات متراكمة(تصنيف الممتلكات إلى عامة وخاصة أي سجل المحتويات )، وكذلك تصنيف نوع الاستغلال والجهات المعنية، والمعطيات المتعلقة بذكر ذلك،وفي ما يلي جرد لأهم الخدمات التي يمكن للمعلوميات أن تقدمها في مجال تدبير الأملاك العامة المحلية[23].
·       تدبير إحصائيات دقيقة للرصيد العقاري المتوفر والحاجيات المطروحة لتوفير رصيد عقاري جديد.
·       ضبط سجلات المحتويات، وتصنيف الممتلكات إلى عامة وخاصة بناء على المعلومات المخزنة في ذاكرة الحاسوب.
·       تسهيل اعتماد رسوم بيانية واضحة ومعززة بكافة المعلومات التقنية والقانونية، الشيء الذي يسهل دراسات التطورات والإمكانية المتاحة لاستغلال الملك العمومي.
·       تحسين استغلال الملك العام المحلي عبر اعتماد دراسات مستقبلية بناءا على معلومات تقنية ومالية متغيرة واختيار المناسب منها.
وعموما فإن استعمال المعلوميات كتقنية لتدبير الممتلكات الجماعية في شأنه تحسين جودة تدبير الملك العام الجماعي إلى حد بعيد.
غير أن وضعية المعلوميات داخل الإدارة لازالت  غامضة لحد الآن بحيث لا يساهم الحاسوب إلا بشكل ضعيف فيما يخص اتخاذ القرارات، وحتى وإن تدخل في هذا المجال فإن ذلك لا يتم إلا جزئيا.
لذلك تظل مسألة عصرنة الإدارة المحلية أداة فعالة من أجل عقلنة تدبير الملك العام المحلي ،وبالتالي تحديث وتطوير الإدارة المحلية[24].
2.    التدبير العمومي أداة لتطوير الإدارة المحلية.
يعتبر التدبير العمومي حسب Gagné André هو "البحث عن الاستعمال الأفضل والممكن للموارد، من أجل تحقيق أهداف محددة أي نتائج نافعة لإشباع الحاجات".
فهدف التدبير العمومي هو تحسين نوعية العمل والأداء الإداريين وتحسين الخدمات الإدارية، وذلك من خلال استغلال واستعمال أدوات جديدة للتدبير[25]، وإذا كان إدخال تقنيات هذا النمط التدبيري إلى الإدارة العمومية لا يزال يثير بعض التساؤلات حول مدى تعارض الإستراتيجية المستقبلية للمقاولة الحرة مع الإستراتيجية المشروطة للوحدة الإدارية[26]، فإنه يمكن القول أن مبادئ هذا النمط تجعل الحدود بين القطاع العام والخاص بنسبة إن لم نقل مفتعلة.
فحسب  المقترب التقليدي فإن الإدارة الجماعية تعتبر كوحدات مستهلكة للموارد، وعكس ذلك تعتبر حسب المقترب التدبيري كعوامل لتنمية ووحدات منتجة على مستوى الجماعات المحلية، ويمكن عصرنة الإدارة حسب هذا المقترب التدبيري بتدبير الموارد البشرية وتحسين التدبير الجماعي، وخاصة في ميدان الأملاك العامة، حيث يعتمد Management  في تدبير الموارد البشرية، وكذا في التدبير الجماعي على عمليات أساسية وهي: التنظيم، التنشيط، التنسيق، التخطيط والرقابة.
هذه الخطوات تعتبر وسائل لعقلنة العمل داخل الإدارة المحلية، الشيء الذي ينعكس إيجابيا على تدبير الأملاك المحلية[27].

المطلب الثاني: محدودية دور المجالس الجماعية في استغلال
             الأملاك الجماعية.
تلعب الأملاك العامة المحلية دورا بالغ الأهمية في التخطيط المحلي وتهيئة وتنظيم هياكل الاستقبال، نظرا لما توفره من رصيد عقاري مهم لتأسيس تنمية اقتصادية واجتماعية في مستوى تطلعات الدولة والجماعات المحلية.
إلا أن ضعف دور المجالس الجماعية في تهيئة وإعداد المجال الترابي للجماعة، وكذا ضعف تدبير الشأن المحلي وعوائق أخرى مالية وبشرية وسوسيوثقافية، بالإضافة إلى السياسة التي تنهجها السلطة المركزية، ممثلة في سلطة الوصاية، أفرزت إلى الوجود مجموعة من الصعوبات التي تعرقل التدبير المحلي في ميدان الأملاك العامة وتفرغها من محتواها[28]. ومن خلال هذا سنتطرق إلى العوامل الذاتية في سوء استغلال الأملاك العامة (الفرع الأول)، و العوامل الموضوعية المؤثرة على سوء استغلال الأملاك الجماعية في (الفرع الثاني).
الفرع الأول: العوامل الذاتية المؤثرة في سوء استغلال الأملاك العامة.
لقد تمت ترجمة الإصلاحات المرتبطة باللامركزية التي انطلقت منذ 1976 بإمكانية اتخاذ القرار على المستوى المحلي، كما ساهمت في منع نظرية التدبير المحلي، وأدت على تغليب المنطق التدبيري العقلاني والتشاركي على المنطق التدبير الإداري، ويقود هذا المفهوم السلطات العمومية إلى الدخول في صيرورة التحديث الإداري وإطراح مقاربة جديدة للعمل، ومفهوما جديدا للعلاقة بين الأشخاص وحسن تدبير الموارد البشرية.
لكن من خلال تفحص مستوى تدبير استغلال الملك العام الجماعي نلاحظ جمودا في التسيير لمجموعة من الأسباب منها:      
·       تغليب المصلحة السياسية على المصلحة العامة، مما ينعكس على استمرارية تطوير الاستغلال.
·       الامتثال لتوجيهات السلطة المركزية أو ممثليها المحليين نتيجة تدني المستوى الثقافي لأغلب المنتخبين المحليين في مجال تدبير الممتلكات الجماعية.



أولا: العوائق التي تشوب التدبير الجماعي.
 إن التدبير الجماعي الذي يميز العمل الجماعي بصفة عامة له انعكاسات سلبية على مسار الاستغلال وذلك نظرا للأسباب التالية:
·       عدم استقرار المجلس الجماعي رغم وجود مبدأ استمرارية الموقف العام، ذلك أن تغيير المجالس المحلية يؤدي إلى شلل المشاريع التنموية المقامة على الملك  العام.
·       الصراع السياسي وتدني المستوى الثقافي للمنتخب المحلي، يحول دون توحيد الأهداف، وبالتالي فإن غياب كتلة سياسية منسجمة داخل المجلس الجماعي، يسبب الارتباك في التسيير، مما يفوت على المجالس الجماعية تدبير أملاكها العامة وفق متطلبات الساكنة المحلية وبالتالي التنمية المحلية.
·       علاقة رئيس المجلس بالمجلس الجماعي ،يقتل المبادرة الحرة التي هي من ركائز حسن الاستغلال، حيث أن مراقبة المجلس الجماعي السابقة للاقتراح القرار واللاحقة المتعلقة بالتنفيذ يؤثر على استغلال المشاريع المزمع إنجازها على الملك العام[29].
·       العلاقة المحدودة والمتوترة بين الأقلية و الأغلبية.
فالتهميش الذي تعانيه الأقلية، يكيف اندماجها في الحياة الإدارية المحلية، نظرا لعدم توصلها بالوثائق المتعلقة باستغلال الأملاك العامة المحلية[30].
فرغم أن المشرع منح الأقلية إمكانية مراقبة الأغلبية وسمح لها بالدعوة إلى عقد دورات استثنائية، فإنه من موقع آخر، قد شل هذه الإمكانية عندما جعل لرئيس المجلس المنتمي حتما للأغلبية السلطة التقديرية في قبول هذه الدعوة أو رفضها، بدعوة أن الظروف لا تستدعي عقد دورة استثنائية.
  كما نجد أن وضع جدول الأعمال ينفرد به الرئيس ومسانديه (أعضاء المجلس)، ولا يتمتع كل مستشار إلا بحق اقتراح نقط تدخل في اختصاص المجلس الجماعي، وتلك الاقتراحات غالبا ما تعتبر من قبل الرئيس ومساعديه غير مقبولة[31]. وبالتالي تظل حظوظ الأقلية في التغيير أو التأثير على اختيارات الأغلبية محدودة، وبالنظر إلى هذه المحدودية، فإنها تتميز بالتوتر وعدم الارتياح، فالأغلبية ترى في الأقلية منافسا، ومشاكسا يعيق اختياراتها وتوجهاتها، فتعمل على إجهاض صوتها وتهميش دورها، وفي المقابل يتحول التعارض المبني على التعقل واحترام الرأي المخالف إلى صراع مفتوح، لا يساعد على تفعيل تدبير الشأن المحلي، وبالتالي يحول دون تدبير أفضل للملك العام المحلي، ويفوت على الجماعات المحلية، فرصة الاستفادة القصوى من أملاكها العامة، ويجمد مسلسل استغلاله[32].
ثانيا: ضعف التحكم في التدبير المالي والبشري.
يتميز التدبير المالي الجماعي بطابع التعقيد والاستمرارية والديمومة، وانطلاقا من هذه الخصوصية، فإن الممارسة المالية للمجلس الجماعي تتم بواسطة أجهزة إدارية ومالية خول لها القانون الاختصاصات المالية في مجال التدبير المالي الجماعي، ومن بين الملاحظات التي تم تسجيلها بخصوص هذا القصور هو غياب التخصص الوظيفي  لمصالح الممتلكات داخل الجماعات المحلية، ويرجع هذا الغياب إلى سوء توزيع الوظائف مابين مختلف الخلايا المرتبطة بهذه المصالح وعدم الاهتمام بمجموعة من الطاقات التي يمكن استثمارها في تدعيم المصالح الجماعية.
كما يتجلى هذا القصور من خلال ضعف تأطير الموارد البشرية داخل الجماعات المحلية وخصوصا في ميدان الأملاك الجماعية، وذلك راجع بالأساس إلى ضعف برامج التكوين، والتكوين المستمر  في مجال التدبير للأملاك الجماعية من طرف المجالس الجماعية، بحيث تخصص هذه الأخيرة اعتمادات مالية ضعيفة من الفصول المتعلقة بالتكوين، في الوقت الذي يعتبر العنصر البشري أحد الموارد المهمة لحسن تسيير الإدارة المحلية وتجاوز المشاكل العالقة وتسويتها من جهة، ومن جهة أخرى التتبع الدقيق لمختلف مراحل استغلال الملك الجماعي، الشيء الذي يتطلب منح هذا العنصر العناية اللازمة والاهتمام الكبير باعتباره جوهر التدبير.
غير أن المتتبع للمجهودات المبذولة على صعيد الإدارة المحلية المغربية، سيكشف على أن التأطير البشري مازال يتسم بالضعف والمحدودية، سواء من حيث الكم أو الكيف، وسواء على مستوى المنتخبين أو على مستوى الموظفين المحليين.
ولاشك أن ضعف التكوين لدى المنتخب المحلي يؤدي إلى عدم استطاعته الدفاع عن المشاريع والمقترحات المراد إنجازها على الملك العام، فعدم توفره على مستوى ثقافي متين وتكوين صحيح في مجال تدبير الشأن المحلي بصفة عامة وميدان الأملاك الجماعية بصفة خاصة، تجعله يحجم على ممارسة الكثير من اختصاصاته وتفويت الفرصة على الجماعات  المحلية من لعب دورها التنشيطي والتنموي.
هذه العوامل جعلت رجل السلطة المحلية هو الأداة الرئيسية في الإدارة المحلية، في حين ظل دور المنتخب المحلي هامشيا وفي علاقة تبعية للإدارة المركزية، على أن ضعف التكوين لا يقتصر على المنتخب المحلي، بل يتجاوز ه إلى الموظف الجماعي، إذ تتسم الوظيفة المحلية بالضعف وذلك ناتج عن التوظيفات غير الدقيقة والمشبوهة.
الفرع الثاني: العوامل الموضوعية المؤثرة على سوء استغلال الأملاك
          الجماعية.
لقد عرف النظام الإداري المغربي تطبيق اللامركزية لمدة 25 سنة، وقد أفرزت هذه التجربة مجموعة من المعطيات أصبح من الواجب معها إدخال إصلاحات لتحسين استغلال الملك العام الجماعي، وللوصول لهذه الغاية سوف نوضح انعكاس قوة تدخل السلطة المركزية في تدبير الملك الجماعي من خلال إبراز ملاحظتين:
الأولى: تضرب الملك العام مباشرة مما يفقر الجماعة من رصيد عقاري ومرافق عامة مهمة تؤثر سلبا على التنمية المحلية.
الثانية: حد سلطة الوصاية من حرية الجماعة في تطوير استغلال الملك العام.
أولا: أثر التقسيم الإداري على مستوى نمط الأملاك الجماعية.
إذا كان التقسيم الجماعي[33] يهدف أساسا إلى تحقيق تنمية متناسقة بمختلف أجزاء البلاد وتستجيب للاهتمامات المختلفة وغيرها من الحاجات والمشاكل المتشعبة، الناتجة عن تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتطور الديمغرافي والمعماري فإنه يقتضي بالضرورة إحكام التقسيم للتوفيق بين هدفين أساسيين:
1.    تسهيل العمل الإداري
2.    الحفاظ على مقومات التنمية المحلية
إلا أنه في بعض الأحيان يتم تغليب الجانب الأول على الجانب الثاني، مما يؤثر سلبا على مستوى التنمية المحلية، هذه الحالة تعيشها معظم الجماعات المحلية بالمغرب.
فما هي مظاهر تأثير التقسيم الجماعي على التنمية المحلية من خلال الملك العام المحلي:
لعل أهم النتائج المترتبة هي التقسيم الجماعي هو حرمان الجماعة من مجموعة من العقارات والأملاك حيث يلاحظ أن هناك تراجع في الرصيد العقاري لأغلب الجماعات المحلية، التي خضعت لإعادة التقسيم، ونفس الملاحظة تنطبق على المرافق العامة سواء كانت ذات  بعد اجتماعي أو ثقافي والمتمثلة في كل من المركبات الثقافية، المعاهد الموسيقية، الخزانات الجماعية المستشفيات...إلخ.
بالإضافة إلى فقدان الجماعة لبعض المنشآت الحيوية الشيء الذي يفرض عليها إحداث مرافق أخرى، مع العلم أن أغلب الجماعات المحلية لا تتوفر على رصيد عقاري كاف لإحداث هذه المرافق، كما أنها تفتقد إلى الموارد المالية الكافية للقيام بذلك.



ثانيا: تأثير سلطة الوصاية على جمود مسلسل استغلال الملك العام الجماعي.
مما لا شك فيه أن معظم قرارات المجالس المحلية لا تكون قابلة للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها السلطة الإدارية المختصة[34]، سواء تعلق الأمر بقضايا الميزانية أو تسيير شؤون الجماعات عن طريق الوكالات أو الامتيازات، أو حتى الأسواق أو تغيير أماكنها، بل وحتى تسمية الشوارع والساحات[35]، فسلطة الوصاية تتخذ قراراتها داخل أجل 15 يوما، ومعنى ذلك أن مقررات المجالس المحلية لا يعرف مصيرها هل قبلت أم لا، إلا بعد مرور 15 يوما أو ثلاثة أسابيع، وبالتالي فإن هذه المسطرة تعرقل عمل المجالس الجماعية في تدبير شؤونها وخاصة استغلال أملاكها العامة، كما تفقد الجماعات المحلية في الكثير من الحالات صلاحيتها التقريرية، وخاصة إذا تعلق الأمر بأملاكها العامة، وتتحول إلى مجرد إطار لصياغة الاقتراحات والمشاريع، كما  أن هذا التأثير يحد من اختصاصات المجالس المحلية في ميدان الاختيار، فمقرراتها تخضع في الغالب للتعديل والتغيير.
كما أن تصديق وزير الداخلية على المقررات المتعلقة بتدبير الملك العام الجماعي تتطلب مدة طويلة، الشيء الذي يعرقل الملك العام ويحد من فعاليته.
وتجدر الإشارة إلى أن الوصاية المالية غير المباشرة هي أكثر أشكال الوصاية حدة على استقلال الجماعات المحلية في تدبير أملاكها العامة، فبالإضافة إلى الوصاية الإدارية والمالية المفروضة على الجماعات المحلية، نجد نوعا آخر من الوصاية تعوق تدبير الملك العام الجماعي وهي الوصاية التقنية، حيث تحل المصالح التقنية للدولة محل المجالس المنتخبة، سواء على مستوى تحضير المشاريع أو على مستوى تنفيذها مستغلة ضعف تكوين المنتخبين المحليين وقلة تدبير الشأن المحلي.
وهكذا إذا كان مبدأ اللامركزية يفترض أن تكون المجالس الجماعية حرة في إنجاز مشاريعها، وإقامة بنياتها على أملاكها وفقا لما تمليه عليه أوضاعها ومتطلبات وحاجيات السكان، فإن الملاحظ أن هذه الهيآت تصطدم في المطالب بوجود قيود تقنية تفرضها عليها السلطات المركزية، في الوقت الذي نجد فيه أن التطور الجديد للنظام الوصائي أصبح يتمحور حول تدعيم استقلالية الجماعات المحلية بإزالة الإشراف المسبق وإقامة مراقبة لاحقة أكثر حركية، وجعل المنتخبين أكثر شعورا بالمسؤولية[36].
كانت هذه أهم العراقيل التي تقف حجر عثرة أمام تنمية الموارد المالية للأملاك الجماعية، والتي تحول دون تطوير مداخيل هذه الأملاك، لذلك وجب إعادة النظر فيها، لقيام هذا النوع من الأملاك بالدور المنوط به على أكمل وجه.





[1] - عبد الواحد تولان ، عقلنة استغلال الأملاك العمومية، نموذج بلدية سباتة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة المالية العامة، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الحقوق الدار البيضاء، السنة الجامعية 1999ـ2000، ص 69.
[2] -  محمد يوجيدة وميلود بوخال : أملاك الجماعات المحلية و هيآتها ،منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،سلسلة دلائل التسيير ،العدد 5 سنة 1998 ،ص : 29-30.
[3] - أحمد لواء الدين : مرجع سابق .
[4] - أو ما أصبح يعرف حاليا بالهندسة الترابية.Ingénieuré Territoriale
[5] - إدريس جردان : المنتخب الجماعي بالمغرب من الهواية إلى الاحتلااف ،تأملات في المسار ،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،عدد مزدوج 48-49 يناير ،أبريل 2003 ،ص: 117.
[6] - حميد أبولاس :مرجع سابق ،ص: 148-149.
[7] - بخات زكرياء :التدبير المقاولاتي كأسلوب لتدبير  التنمية الاقتصادية  بالجماعات المحلية نموذج المجالس الجماعية بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،جامعة عبد المالك السعدي كلية الحقوق بطنجة سنة 2005-2006 ، ص: 58 .
[8] - El Bouzid (M) : « la GRH comme levier dans la réforme administrative » la nouvelle gouvernance au Maroc , revue administrative du Maroc ,observatoire marocaine de l’administration publique ,n° 4 .p : 31.
[9] - حميد أبولاس : مرجع سابق ،ص: 151.
[10] - Brahimi (M) ,Ziani (B) «  décentralisation et formation des élus locaux » collection dirigé par le centre d’étude et de communication de l’anti ,mars 1997, p :78.
[11] - رشيد أكديرة وداوود أيت جا : علاقة الجماعة من منظور علم الإدارة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس  بالرباط السويسي  1998 ،ص: 152.
[12] - أحمد أجعون : تكوين المنتخب الجماعي والميثاق الجماعي الجديد ،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة مواضيع الساعة ،العدد 44 2003 ،ص : 129.
[13] - راجع توصيات وتقارير لجان العمالات والأقاليم بالمناظرة الوطنية السادسة للجماعات المحلية المنعقدة تحت شعار "تكوين وإعلام المنتخبين" بتطوان من 28 إلى 30يونيو 1994 ، طبع المديرية العامة للجماعات المحلية .
[14] - أحمد أجعون : مرجع سابق ،ص: 133.
[15] - زكرياء بخات : مرجع سابق ،ص : 142-143.
[16] - علي سدجاري : الدولة والإدارة بين التقليد والتحديث ، الرباط 1994 ،ص:63 .
[17] - المناظرة الوطنية الثانية المنعقدة تحت شعار "التمازج" 1979.
[18] - لقد شهدت الجماعات المحلية تضاعف عدد الموظفين الجماعيين أربع مرات خلال 20 سنة  ،حيث انتقل من 26500 سنة 1977 إلى 109471 سنة 1996 بنما وصل العدد سنة 1999 إلى 150000 إطارا وعونا ،وهو ما يناهز ربع عدد موظفي الدولة  ،للمزيد من المعلومات راجع وثائق المناظرة الوطنية السابعة .
[19] - للمزيد من التفاصيل راجع كتاب حميد أبولاس حول تدبير الموارد البشرية نموذج الإدارة الجماعية ،مرجع سابق ، ص: 243 وما بعها .
[20] - أحمد لواء الدين: مرجع سابق، ص: 63-64.
[21] - مصطفى سلمى : مدى مساهمة المواطن والموظف في العمل الإداري من منظور العلم الإداري ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس بالرباط السويسي 1997 ،ص : 52 .
[22] - حميد أبولاس : تدبير الموارد البشرية... ،مرجع سابق ،ص: 129.
[23] - أحمد لواء الدين : مرجع سابق ، ص: 66.
[24] - فقد أوصت المناظرة الوطنية الرابعة للجماعات المحلية على ضرورة إدخال الإعلام لفائدة الجماعات المحلية ، وبرمجة دروس خاصة حول الوثائق المتداولة في الجماعات لتسيير القضايا الجارية ، على جانب تدعيم برامج التكوين خاصة بتدريب العاملين على استعمال التقنيات الحديثة في مجال المعلوميات ووضع برنامج خاص يتعلق بالتكوين المستمر وذلك بتنسيق بين مديرية تكوين الأطر التابعة لوزارة الداخلية ومدرسة علوم الإعلام والمعهد الوطني للإحصاء .
[25] - رشيد اكديرة وداوود أيت جا : مرجع سابق ، ص: 66.
[26] - علي سدجاري : مرجع سابق ،ص: 124.
[27] - أحمد لواء الدين ،مرجع سابق ،ص: 66.
[28] - علي سدجاري : الدولة بين الإدارة بين التقليد والتحديث ،الرباط 1994 ،ص : 13 .
[29] - وهذا ملاحظ في اغلب المجالس الجماعية ، حيث أن أي تغيير في تركيبة المجلس يؤثر سلبا على سير تدبير الشأن المحلي ، مما يغلب الهاجس السياسي على المصلحة العامة .
[30] - عبد الواحد تولان : عقلنة استغلال الأملاك العمومية ،مرجع سابق ، ص:38.
[31] - رشيدة اكديرة وداوود آيت جا : مرجع سابق ،ص: 125.
[32] - أحمد لواء الدين: مرجع سابق، ص: 47.
[33] - إن التقسيم الجماعي يدخل ضمن المجال التنظيمي المحفوظ للحكومة ،حيث أن إحداث جماعات جديدة من جراء تقسيم جماعي ، ومراجعة التقسيم الجماعي القديم ، تم بواسطة مرسوم يتخذه الوزير الأول ، وغالبا يوقعه بالعطف وزير الداخلية . المرجع : المهدي بنمير ، الإدارة المركزية المحلية بالمغرب ،سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية ،الوراقة الوطنية 1998 ، ص: 94.
[34] - ويقصد بالسلطة الإدارية : السلطات المخولة للسلطة المركزية بناء على قانون من أجل مراقبة شرعية نشاط الهيآت المحلية وعدم تطاولها في ممارسة اختصاصاتها ، وذلك قصد ضمان تحقيق المصلحة العامة في إطار نظام اللامركزية الترابية .
[35] - محمد بن طلحة : النظام الجماعي المغربي ، دراسة تحليلية للمكونات البشرية والمالية والوصائية ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة الحسن الثاني ، كلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء ، الموسم الجامعي 1998 – 1999 .
[36]  - محمد بن طلحة : النظام الجماعي المغربي ، دراسة تحليلية للمكونات البشرية والمالية والوصائية ،مرجع سابق ، ص: 479.

ليست هناك تعليقات