Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

أهمية البرلمان في قبول قوانين المالية وتقييم السياسات العمومية"

تقرير عام عن ندوة "البرلمان، قوانين المالية وتقييم السياسات العمومية  يحيى اليحياوي  انعقدت بالرباط، بتاريخ 4 فبراير 2013، ندوة...


تقرير عام عن ندوة "البرلمان، قوانين المالية وتقييم السياسات العمومية 

يحيى اليحياوي 

انعقدت بالرباط، بتاريخ 4 فبراير 2013، ندوة علمية هامة حول "البرلمان وقوانين المالية وتقييم السياسات العمومية"، شارك فيها ثلة من الأساتذة الجامعيين والبرلمانيين والفاعلين في المجال المالي والتشريعي والمهتمين بقضايا الشأن العام بوجه عام. وقد استهل اللقاء بكلمة لممثل مؤسسة هانس سيديل، وأخرى للأستاذ محمد حركات، مدير مركز الحكامة الشاملة، حددا فيه سياق انعقاد هذه الندوة، وأهميتها بالقياس إلى التموجات التي يعرفها المغرب، وأهمية التساؤل في طبيعة القوانين المالية ثم السياسات العمومية، وكذا أهمية خضوع هذه القوانين والسياسات لعمليات تقييم موسعة، في أفق عقلنتها
وتضمينها جرعات معتبرة من النجاعة والانسيابية. وقبل انطلاق أشغال هذا اللقاء الهام، وفق الحضور دقيقة صمت ترحما على روح الأستاذ ادريس بنعلي، الذي وافته المنية صبيحة 3 فبراير 2013، وأشادوا بمناقب الفقيد، والتزامه العميق بقضايا بلده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. توزعت أشغال الندوة على جلستين اثنتين: + الجلسة الأولى ناقشت العلاقة بين "البرلمان والسياسات الجبائية والاجتماعية". + أما الجلسة الثانية فقد تعرضت لمسألة "الحكامة البرلمانية وتقييم السياسات العمومية". الجلسة الأولى: "البرلمان والسياسات الجبائية والاجتماعية" أولا: بهذه الجلسة تدخل الأساذ نجيب أقصبي، من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، بورقة تساءل فيها عن "تأثير البرلمان على القرار الجبائي"، وأبرز أن ثمة مقاربتين اثنتين متعارضتين لهذه المسألة: + مقاربة تنطلق من تحليل ماركسي صرف، مؤداها أن الدولة هي بشكل من الأشكال، أداة بيد الطبقات المهيمنة التي تستأثر بمصالح متشعبة وقوية. وعليه، فإن القرار الجبائي لا يمكن تصوره خارج هذه الهيمنة، لا بل هو انعكاس لها في الشكل والمضمون. والمؤسسة التشريعية في هذه الحالة لا تخرج عن هذا التصور، فنراها إما مهيمن عليها من لدن هذه المصالح (بما فيها مصالح البلاط الملكي)، أو إنها جزء من الدولة تترجم توجهاتها ومصالحها بالنصوص واللوائح التشريعية. هذه المصالح هي إذن بهذا الوجه أو ذاك، جزء من صناعة القرار الجبائي. + وثمة مقاربة قانونية ومؤسساتية صرفة، تنطلق من اعتبار أن القانون المالي إنما هو تعبير عن موازين قوى على الأرض بين الحكومة والجهاز التشريعي. الحكومة في هذه الحالة، هي التي غالبا ما تكون الجهة الغالبة، بحكم تحكمها في الآليات القانونية، لدرجة قد نسلم، والحالة هاته، أن هناك تواطؤات وتوافقات بين الحكومة والبرلمان يتم من خلالها تفريغ هذا الأخير بطريقة ضمنية، من صلاحياته ونزوعه لرقابة عمل الحكومة أو التأثير في ذات القرارات. ويلاحظ المتدخل أن ثمة بين المقاربتين مقاربة ثالثة، تأخذ بعين الاعتبار كل التعقيدات والإكراهات والصعوبات الموجودة بأرض الواقع. وتعبر عن هذه المقاربة مدرسة التقنين (Ecole de la régulation) والتي تعتبر أن ثمة، إلى جانب الدولة، مستويات مختلفة أخرى هي التي تصيغ القوانين المالية، وبقبالة ذلك، ثمة برلمان به أغلبية سياسية محددة توجه القرار إلى حد ما. النظام الجبائي هنا لا يتم تفعيله إذا طاول مصالح البلاط، أو كان من شأنه أن يحول دون استمرارية مصالحه. والنظام الجبائي هنا، يتابع المحاضر، يجد نفسه في وجه مفارقة حقيقية، مؤداها أنه في الوقت الذي ينزع فيه هذا النظام للرفع من مردوديته ومن نجاعته، نجد أن لوبيات البرلمان تتدخل للحيلولة دون ذلك. بالتالي، فنحن هنا بإزاء وضعية لا تستطيع المؤسسة البرلمانية في ظلها اتخاد قرارات جريئة بحكم تشعب المصالح وتداخلها. والدليل، يوضح المحاضر أن القطاع الفلاحي معفى من الضرائب من زاوية مداخيله منذ العام 1984 إلى العام 2000 ثم إلى 2014 بحكم أن الملك صاحب مصالح كبرى بهذا القطاع، لا بل هو من كبار الفلاحين في البلاد. ويخلص الكاتب إلى أن هذه الوضعية تعيق عمل البرلمان، وتحول دون قيام نظام جبائي سليم، يتغيأ الزيادة في المردودية والنجاعة ثم العدالة. ثانيا: الأستاذ محمد الصبيحي، من جامعة محمد الخامس الرباط/أكدال، توقف في ورقته ("أية خيارات مالية وجبائية في سياق الأزمة؟") عند قانون المالية للعام 2013، وأوضح بنقطة تمهيدية أساسية، أن المغرب يعيش وضعية أزمة حقيقية، تطاول الإنتاج والتصدير والاستيراد، وأن السلطات العمومية تعمل منذ مدة على إصلاح التسيير الجبائي بالميزانية، لكنها تصطدم بإكراهات كبرى على هذا المستوى. وعليه، فإن الإكراهات الجبائية وإكراهات الميزانية متأتية من وضعية الأزمة هاته: + هناك ارتفاعا في المصاريف العمومية لا سيما تكاليف التسيير، وهي لوحدها كافية للتعبير عن واقع الأزمة المعاش. ثم إن هذه المصاريف غالبا ما يتم تجاوز أحجامها اللهم إلا مصاريف التسيير وضمنها مصاريف الأجور (93 مليار في سنة 2012، و98 مليار في العام 2013، 60 بالمائة منها تذهب لمصاريف التسير وذلك منذ العام 1983، أي ما يعادل 11 بالمائة من الناتج الداخلي الخام). + ثم هناك مصاريف المقاصة، والتي يصل حجمها إلى 50 مليار سنة 2012 وبقيت في العام 2013 تقريبا على نفس الحجم (49 مليار درهم). + ثم هناك مصاريف الاستثمارات على الرغم من استقرار مستواها نسبيا (49 مليار 2012 وحوالي 47 مليار في العام 2013). وهو ما يعطي عجزا في ميزانية الدولة بحوالي 43 مليار سنة 2013. وهذا العجز هو الذي غالبا ما يدفع للجوء إلى المديونية الداخلية والخارجية لتغطيته. أما إكراهات المداخيل، فهي مرتبطة، بنظر المحاضر، بمستوى المداخيل الجبائية والتي قدرت سنة 2012 بحوالي 170 مليار، مع ملاحظة أن هناك توازنا بين الضريبة على الأرباح وعلى الأجور والضريبة على القيمة المضافة. ويلاحظ المؤلف أن هذه المداخيل في ارتفاع مستمر، لكنه يتساءل: هل يمكن أن نستمر بهذا الضغط؟ أليس من الوارد تصور مجهود جبائي إضافي من جهات أخرى، لا سيما على مستوى الأنشطة غير الخاضعة للضريبة؟ هل يمكن تصور نموذج لتجاوز ذلك؟ ما هي البدائل والحلول؟ هل المشكل في النسب أم في المادة التي من المفروض إخضاعها للضريبة؟ وما هي تأثيراتها على الاقتصاد وعلى المجتمع؟ لم لا يتم التفكير في إخضاع القطاع غير المهيكل للضريبة؟ ولم لا يتم إخضاع الريع والثروات العليا للضريبة بغرض تحصيل مداخيل إضافية؟ بالمقابل، يتساءل المحاضر: هل البعد الجبائي كاف لوحده لإخراج البلاد من الأزمة؟ ويجيب: إنه بعد ضروري دون شك، لكنه غير كاف، أي أنه بحاجة إلى بدائل إضافية أخرى بغرض عدم الضغط على الموارد الخاضعة للجباية. ثالثا: وفي مداخلة عن "ميزانية 2013 والتضامن الاجتماعي في وجه خصاص القطاعات الاجتماعية"، أبرز الأستاذ حفيظ ولعلو أن الوضعية الاجتماعية هي نتاج لاختيار اقتصادي واجتماعي (الليبيرالية)، وأن هذا الاختيار أفرز في المغرب وضعية من اللاتوازن والفوارق، وذلك على مستوى القطاعات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن وغيرها. هناك خصاص وخصاص كبير يلاحظ المحاضر. ويلاحظ أيضا أن ثمة مفارقة لا بد من الإشارة، ومفادها أنه على الرغم من وجود هياكل مؤسساتية متعددة (وزارات، وكالات، برامج متخصصة...الخ)، وهناك فرقاء المجتمع المدني وهناك وكالات التعاون الدولي، ومع ذلك فلا تأثير لذلك على المعاش اليومي للمواطن. فهناك، يقول المحاضر، حوالي 85 مليار ترصد للقطاعات الاجتماعية، لكن تأثيرها ضعيف، قياسا إلى ما تعيشه المستشفيات والمدارس والسكن وقس على ذلك. رابعا: وفي مداخلة بعنوان "توسيع المجال الديموقراطي من خلال مسلسلات الميزانية المرتبطة بالنوع"، لاحظت الأستاذة نزهة الصقلي (نائبة برلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية) أن المساواة مسألة أساسية للتنمية، ناهيك عن كونها غاية في حد ذاتها بغرض تقييم حقوق الإنسان. ولاحظت المحاضرة أن السياسات العمومية التي تتغيأ مساواة النوع لا تقتصر على النساء بل تطال كل المجتمع، بفئاته المختلفة (نساء ورجال، أطفال وشيوخ، اشخاص في وضعية إعاقة أو وضعيات صعبة...الخ). إلا أن الحديث عن المساواة يجرنا، تتابع المحاضرة، إلى الحديث عن مناهضة التمييز والعنف ضد النساء والأمهات العازبات وزواج القاصرات وتمدرس البنات وتشغيلهن دون بلوغهن السن القانوني...الخ. وتقر المحاضرة بأن ثمة مكتسبات حقيقية على هذا المستوى تبرز بمدونة الأسرة وقانون الجنسية ودستور 2011. وتبرز أيضا في السياسات العمومية متعددة القطاعات، لا سيما المخطط الحكومي 2012 إلى 2016. كما تلاحظ المحاضرة أنه ليس ثمة طرف واحد تلقى على عاتقه هذه المسألة، بل الأمر يخص المجتمع برمته: يخص البرلمان والحكومة دون شك، لكنه يخص أيضا الأحزاب السياسية والجماعات المحلية والنقابات والمدرسة والإعلام ثم هيئات المجتمع المدني المختلفة. من جهة أخرى، ألحت المحاضرة على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الجوانب المرتبطة بالنوع لدى صياغة القوانين المالية، كما عند تفعيلها وتقييمها. وهو ما من شأنه أن يحول دون التمييز والفوارق أو على الأقل يحد منها. وهذا في نظرها، هو الهدف من "تقرير النوع" الذي صاحب هذه السنة ميزانية العام 2013 بغرض ضمان المساواة. لكن ذلك، تؤكد المحاضرة، يجب أن يستمر ويتم تبنيه من لدن هيئات المجتمع المدني والقطاعات الحكومية ذات الصلة، أي تلك التي تدخل مسألة النوع في اختصاصاتها. الجلسة الثانية: "الحكامة البرلمانية وتقييم السياسات العمومية" أولا: في هذه الجلسة قدمت الأستاذة أمامة الكتاني (من جامعة محمد الخامس/أكدال بالرباط) مداخلة بعنوان "الاتصال البرلماني أداة لا بد منها لأية حكامة") أكدت فيها على أن أي مرفق عمومي مطالب بالإنصات لمتطلبات الجمهور، ناهيك عن تقديم الحساب بين يديه، باعتباره الممول لذات المرفق. من هنا تأكيدها على أن الحكامة هي بالأصل تملك المواطنين لمشاكلهم ودفعهم للإسهام في حلها. وهذا برأيها هو المدخل الأساس لأي تواصل. وتتساءل المحاضرة: ما دور التواصل العمومي في تكريس وتجذير الحكامة؟ بهذه النقطة تشير المحاضرة إلى أن التواصل العمومي هو فعل وسائل الإعلام، لكن أيضا باقي المستويات بما فيها التواصل الحكومي وغير الحكومي، وعلى شكل علاقات عامة أو إشهار أو شبكات اجتماعية أو ما سواها. لكن السؤال الأهم بنظرها يكمن في كيفية تصريف الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال التواصل العمومي. وعلى هذا الأساس، تعتبر المحاضرة: + أن المؤسسة البرلمانية هي فضاء اتصال وتواصل وفضاء موسطة للعلاقات الاجتماعية من خلال الوسائل الإعلامية أو من خلال الوسائط ذات الطبيعة العامة، أو من خلال الشبكات الاجتماعية التي وفرتها تقنيات الإعلام والمعلومات والاتصال. + وأن التواصل البرلماني هو جزء لا يتجزأ من التواصل العمومي، لكن ميزته الأساس هي كونه يسهم في تكوين هوية للبرلمان، أي هوية خاصة به. + أن التواصل البرلماني هو حاجة مؤسساتية وحاجة مجتمعاتية أيضا، لا سيما من خلال إشهار ما تقوم به المؤسسة وإشراك المواطن المتلقي في صناعة القرار التشريعي، أي الإسهام في بلورة السياسات العمومية. ثانيا: وفي مداخلته (" مالية الدولة والمجلس الدستوري المغربي") أكد الأستاذ صبح الله الغازي (أستاذ وعضو سابق بالمجلس الدستوري) بأن القوانين المالية بفرنسا تخضع منذ العام 1960 وبطريقة أوتوماتيكية، لرقابة المجلس الدستوري. إلا أن هذه القاعدة لا تراعى بالمغرب، إذ لم يطلب يوما من المجلس الدستوري إبداء رأيه في القوانين المالية. ويتابع المحاضر، أنه على الرغم من أن الغرفة الدستورية (السابقة على المجلس الدستوري) لم يتم اللجوء إليها يوما لمراقبة قوانين المالية، إلا أنها وضعت لبنات الاجتهاد الدستوري المالي عندما تسنى لها إبداء الرأي في القانونين التنظيميين للمالية (1979 و 1989) ومرسوم ملكي بخصوص إجراءات القانون التنظيمي المرتبط بتقديم قوانين المالية. وركز المحاضر في ورقته على نقطتين اثنتين: الأولى وترتبط بالإجراءات التشريعية المؤطرة لمالية الدولة، والثانية تتعلق برقابة القوانين التي لها تبعات مالية. يضم الجانب الأول القوانين التنظيمية للمالية وقوانين المالية والمعاهدات التي من شأنها التأثير على مالية الدولة. أما الثاني، فيضم القوانين التي لها تبعات مالية، لا سيما القوانين الداخلية للهيئات والقوانين العادية. وقد فصل المحاضر في النقطتين معا، على ضوء مبدأ العدالة الدستورية المالية. ثالثا: أما الأستاذ محمد حركات (مدير مركز الحكامة الشاملة) فقد قدم مداخلة بعنوان "التقرير السنوي لمجلس الحسابات 2011: عناصر من أجل قراءة نقدية"، وقف فيها عند مجموعة من الملاحظات ذات الطبيعة المنهجية والعملية: + الأولى ويعتبر فيها أن التقرير ضخم من ناحية الحجم، وتنقصه التحاليل المركبة والمبسطة. وحتى وإن احتكم إلى تقارير قطاعية، فهي تبقى دون نسقية محددة تعطيها نوعا من الوحدة الشكلية. + الثانية: تقرير العام 2011 لا يتحدث كثيرا عن أحداث العام نفسه، لا سيما الأحداث المرتبطة بحركة 20 فبراير والمبادرات الرسمية التي استتبعت ذلك. + الثالثة: تقرير العام 2011 تنقصه اللمسة العملية الملازمة لأي تقرير من هذا النوع، لا سيما فيما يتعلق بالخلاصات الجانبية التي تسهل القراءة. + الرابعة: يطغى على هذا التقرير البعد القطاعي الصرف (قطاع اجتماعي، قطاع إداري...الخ)، لكن دونما أن يوضع ذلك في السياق العام بغرض رسم التوجهات المستقبلية. بالتالي، يبدو التقرير عملا تجميعيا، لا أثر للتصور العام لديه عند الصياغة النهائية. + الخامسة: التقرير لا يضم أي رؤية لما يجب أن تكون عليه الرقابة، وأي دور للمجلس في تحديد وتكريس هذه الرؤية. + السادسة: التقرير لا يتعرض لما يسمى نسب المخاطرة، بدليل أنه لا يرشدنا على القطاعات المعرضة لهذه المخاطر ويرتبها وفق هذه النسب. بالتالي، فالتقرير بها الجانب، هو عمل تقريري لا ينفذ إلى جوهر الأمور. + السابعة: التقرير لا يقدم مقترحات لتحريك عجلة الإصلاح، بدليل أنه لم يأت مثلا على ذكر تأثير الأجور العليا. من هنا يبقى التقرير مهووسا بمراقبة التسيير، دونما الإشارة إلى ضرورة تحريك المتابعة بهذا الملف أو ذاك. ويخلص المحاصر، بناء على كل ذلك، إلى أن التقرير هو بالمحصلة النهائية، تقرير عام لا يرقى إلى مستوى يكون بموجبه أداة من أدوات الحكامة الجيدة.

ليست هناك تعليقات